الغش الثانوي.. جريمة في زمن الانحدار!

أحببت في هذا المقال تحديدًا أن أدخل في صلب الموضوع دون مقدمات من دون وقف واستوقف وبكى واستبكى كامرئ القيس، أقول 
زمان وفي مشهد يتكرر مع نهاية كل عام كانت تقام امتحانات أنهاء المرحلة الثانوية، كانت أيام عصيبة وحالة استنفار تغلق الأبواب وتتشدد الحراسات وتحبس الأنفاس وتخفت الاصوات، ولاصوت يعلو إلا صوت فتح المضاريف وتوزيع ورق الأسئلة، للأمانة "زمان" كانت قاعات للصدق والنزاهة فيها معيارًا، لكن الآن وللأسف الشديد ما يحدث داخلها غالبًا يروي قصص أخرى!! قصة مهزومة في ضميرها قبل أن تُهزم في نتائجها.

"زمان" كان لاوجود للغش وأن وجد فإنه لايذاع له سر، أو يأتي من وراء جُدر، يبتكر الجميع فيه الخُدع البصرية  يخالطة ذكاء الطالب نفسه، وعلى استحياء وتسلل،
 أما "الآن"  فحدث ولا حرج تحوّل إلى ظاهرة اجتماعية شبه "مشروعة" هرج ومرج بعيون البعض وعُرف مألوف يسير عليه الطلاب رافعين شعار "غش وعين الله ترعاك أيها الهُمام" ولا تثريب عليك، فالمراقب يغض الطرف عنه، والمدير يُبرره، والأهل يستحسنونه، وتتجاهله الإدارة، الكل في دائرة الصمت أو في أضعف الإيمان (المشاركة الصامتة).

تُمرّر أوراق الإجابة كما تُمرر أوراق الكوتشينة "البطة"، وتنقش الإجابات وترسم على اللوح رسمًا،
تُهتف الإجابات بين المقاعد كما تُهتف الشعارات في ملعب كرة القدم أو مزاد علني لسوق السمك، لا أحد يخجل لا أحد يتردد أو يحس بتأنيب ضمير بأن مايحدث فساااد عظيم الكل محاسبون عنه،  وكأننا لا نمتحن عقولًا ستبني وطنًا، بل نؤدي مسرحية عابرة نهايتها شهادة لا تزن حبرها (وشباش أنت عظيم ياولدي معدلك 94%)!.

المأساة أن مخرجات هذه الفوضى التعليمية هي طلاب بالكاد يعرفون كتابة أسمائهم وأقسم لكم أن هناك طلاب ثانوية لايعلمون ماهي ثورتي سبتمبر وأكتوبر وعلى من قامتا، وأنهم لا يملكون أدوات التعبير ولا القدرة على التفكير أو الحساب أو حتى القراءة السليمة "بلهاء سُذج"، أو ليس لديهم القدرة في ترتيب جملتين مع بعض بشكل سليم يعبروا بهما عن شهور ما يحسون به، خريج ثانوية مهزوز من الداخل فماذا ننتظر من جيل هكذا تم صُنعه؟ وكيف سنواجه ونتحدى به المستقبل ونحن نسلّمه قنابل موقوتة من الجهل وضعف الكفاءة؟

المؤلم بالموضوع أنهم يلتحقون بالكليات والمعاهد والجامعات وبعد أربع سنوات أو أكثر تكتشف أنه خريج جراحة أو متخصص باطني أو فتح له مستوصف أو عيادة خاصة أو مدرسة أو ماشابه.. كيف حدث ذلك!، من عبث بإعدادات التعليم في اليمن؟! لا يجيدون مسكة مشرط أو ضرب حقنة أو نسمة قلم.

تتذكرون "طرفة" خريج الثانوية العامة الذي كان ينوي مناداة أحدى المريضات التي جاء دورها لمقابلة الطبيبة، فكان ينادي بأروقة أحد المشافي يقول (شفاطه ـ شفاطه) ولكن لا مجيب! حتى صحح له أحد المارة حينها الإسم بـ شفاء طه!.
والنكتة الأخرى التي يقال بأنها حقيقية، يقال أن هناك إدارة إحدى الثانويات أرادت تكريم طلابها، وكان من ضمنهم خريج "أبله"، كُتبت على شهادته عبارة الثناء والشكر ومن صياغة ماكُتب عبارة (على حسن سلوكه)، فما أن قرأها (الطالب الهمام) ساقه فضوله للاستفسار إلى الإدارة عن هذا الخطأ الذي ورد ولماذا تم تغيير اسمه من محمود  إلى (علي حسن سلوكه) هكذا قرأ اسمه (علي، حسن، سلوكه) واسمه مخالف لما جاء بالتكريم!!.

أخيرًا على الجميع ان يتق الله فالجميع "سلسلة بشرية" من الوزير إلى المدير إلى حارس المدرسة إلى حارس (قاعات الامتحانات) الكل للقيام بعملهم على أكمل وجه في أن يقوموا بما هو مناط منهم، وأن لانقول دعوهم! (فنحن في ضرف استثنائي بحكم ماتمر البلد من حروب وتغيير للمنهج وانقطاع التعليم وإضراب المعلمين... إلخ) لالا ذلك خطأ فادح، فنحن لو جدينا وكانت لدينا نوايا حقيقة مغلفة بالنزاهة في أنهاء الامتحانات الثانوية بالشكل المطلوب فأننا على ثقة في أن يتحسن حال البلد ويخرج مما هو فيه.. للأمانة نحن لانعمم فهناك ثانويات رائدة في المحال التعليمي ومدارس محور ونموذج يجب أن يحتذى به ولكنهنّ قليل!!!.