القائد محمد قاسم الزُبيدي... وملحمة البناء والتأسيس العسكري

في زمنٍ تختبر فيه الأوطان معادن رجالها، يسطع نجم القائد اللواء الركن محمد قاسم الزُبيدي كرمزٍ للثبات والعبقرية العسكرية، وقامةٍ وطنيةٍ صلبة جمعت بين حنكة القيادة، وصدق الانتماء، وعمق الرؤية الاستراتيجية.

لقد تجلّت عظمة هذا القائد في تأسيس وحدات عسكرية قائمة على أسس احترافية راسخة، وعقيدة وطنية دفاعية خالصة، جسّدها بتأسيس ألوية الحماية الرئاسية، التي تحوّلت تحت قيادته إلى نموذج يُحتذى به في الانضباط والجاهزية والاستعداد القتالي العالي.

لم يأتِ اللواء محمد قاسم الزُبيدي من صالات الانتظار أو فنادق الشتات، بل خرج من رحم الميدان، من خنادق الكفاح الوطني وميادين الشرف والتضحية. كان قائدًا جسورًا، صقلته التجارب وراكمت فيه الكفاءة، وشكّلته المحن حتى غدا أحد أعمدة الجنوب الراسخة، التي تُشدّ بها الأزر في ساعات الشدة وتُعقد عليها آمال الثبات والانتصار.

من ميادين الشرف والبطولة خرج القائد محمد قاسم الزُبيدي، مدافعًا عن وطنه المغتصب، فأنجب أبطالًا ميامين نهلوا من مدرسته، وكان من أوائل القادة في صفوف "حركة حتم" والمقاومة الجنوبية بقيادة الرئيس القائد عيدروس قاسم الزُبيدي، حيث واجه آلة الاحتلال اليمني ببسالةٍ لا تلين. عُرف آنذاك بدقته الفائقة في إصابة الأهداف، إذ كان يُطلق قذائف الهاون صوب ثكنات العدو كأنّه قنّاصٌ مدفعيٌّ لا يُخطئ. أُطلق عليه لاحقًا لقب "مهندس المدفعية" و"مرعب جحافل الاحتلال"، بعدما تحوّل إلى كابوسٍ يوميٍّ يقضّ مضاجعهم، حتى تحقّق النصر بانتصار حركة "حتم والمقاومة"، وانتصار القائد محمد قاسم الزُبيدي الذي حوّل التحديات إلى مكاسب، والانكسارات إلى انتصارات.

لقد كانت حياته سلسلةً من التحديات التي واجهها بإيمانٍ راسخٍ لا يتزعزع. فعندما أصدر نظام صنعاء البائد حكمَ الإعدام بحقه في عام 1998 تقريبًا، ظنّ أنه بذلك قد أسكت صوتًا من أصوات حركة "حتم"، لكنه لم يُدرك حينها أنه أشعل شعلةً لن تنطفئ. وما إن صدر الحكم، حتى بدأت قوات النظام تتكبّد الخسائر الفادحة في الأرواح والعتاد، أمام عزيمة رجلٍ لا يعرف الانكسار.

وبعد أن أدرك النظام أن إرادة اللواء محمد قاسم الزُبيدي لا تُقهَر، حاول أن يحتويه بإغراءات المناصب الرفيعة والعروض السخية، ظنًّا منه أنه قد يساوم على نضاله. لكن القائد كان على العهد، صلبًا لا يتزحزح، مؤمنًا أن الأوطان لا تُباع ولا تُشترى، وأن النصر حتميٌّ مهما طال الظلم واستبدّ الطغيان. وقد لقّنهم درسًا أن القضايا العادلة لا تموت، حتى انتصر على نظام صنعاء، وانتصر لقضية شعبه ووطنه.

نعم... إنّه قائدٌ موسوعيّ، يتمتع بخبرةٍ عسكريةٍ نادرة، ومن أوائل الضباط الجنوبيين الذين تخرّجوا من الكلية الحربية في عدن بدرجة ملازم أول، وكان من المتفوقين الأوائل فيها، بارعًا في التخطيط، متقنًا لفنون التنفيذ، ذا بصيرةٍ عسكريةٍ متقدة، واستيعابٍ استراتيجيٍّ شاملٍ لواقع الميدان وتحدياته.

لقد واجه القائد محمد قاسم الزُبيدي ما واجهه أخوه الرئيس القائد عيدروس قاسم الزُبيدي من ملاحقات وتهميش وتضييق، لكنه، وكما يليق بالقادة العظام، حوّل الألم إلى دافع، والتحديات إلى إنجازات، مشاركًا في صنع التحولات الوطنية الكبرى، وإدارة المعارك المصيرية بكل بسالةٍ وحكمة.

وحين أُوكلت إليه قيادة ألوية الحماية الرئاسية، أعاد تشكيلها لتغدو قوةً ضاربة يُحسب لها ألف حساب، فبنى مؤسستها على أسس النظام والجاهزية، وأسهم في ضبط بوصلة الأمن الجنوبي، وإعادة هيبة المؤسسة العسكرية، ورفد الجبهات بالقوات المدرَّبة والمجهَّزة على أعلى مستوى.

إن ما يقدمه القائد محمد قاسم الزُبيدي اليوم من جهودٍ عظيمة في ميادين الدفاع، ورفع كفاءة القوات الجنوبية، ومواجهة الأخطار المحدقة، لا يُقاس إلا بعظمة القضية التي يدافع عنها، ولا يُذكر إلا في سجل الفخر والاعتزاز الجنوبي.

كل التحية والإجلال للقائد اللواء الركن محمد قاسم الزُبيدي، الرجل الذي أثبت أن المجد لا يُصنع بالكلام، بل بالعرق والدم والإخلاص، وأن القيادة ليست منصبًا، بل مسؤولية تُترجَم بالإنجاز والمواقف.