من بيت واحد... لكن كلٌ في طريق!

بقلم: صفاء المليح

نشأنا تحت سقف واحد، تقاسمنا الخبز، وتناوبنا على الأحلام، وبكينا وضحكنا في نفس الزوايا. كنا إخوة في كل شيء... فكيف أصبحنا غرباء؟!

لماذا تنقطع صلة الرحم بين الإخوة؟ ولماذا تتحول أعزّ الروابط إلى أشدّ العداوات؟
هذا السؤال بات يؤرّق كثيرًا من البيوت، ويكسر قلوب الأمهات، ويزرع الوحشة في الأسرة التي كانت يومًا دفئًا وطمأنينة.

الإخوة نعمة من أعظم النعم، ورابطة الدم التي بينهم من أوثق الروابط وأقربها. لكن حين تضعف النفوس، وتتسلل الشهوات والفتن، قد تتحول هذه النعمة إلى محنة، وهذه الرابطة إلى قطيعة وعداوة.

فما الذي يجعل الإخوة أعداء؟ وما الذي يُطفئ دفء العلاقة بينهم؟

1. الحسد والبغضاء

قال الله تعالى عن إخوة يوسف:
"إذ قالوا لَيُوسُفُ وأخوه أحب إلى أبينا منا ونحن عُصبةٌ إن أبانا لفي ضلالٍ مبين" [يوسف: 8].
الحسد أعمى قلوبهم، ودفعهم للتفكير في التخلص من أخيهم. وهذا هو حال القلوب إذا خلت من الإيمان، وامتلأت بالمقارنات.

2. المال والميراث

كثير من القطيعة تبدأ من تقسيم مال أو إرث. ما كان يُفترض أن يُقرّبهم، يصبح شرارة خلاف مزمن.
قال ﷺ:
"إن دماءكم وأموالكم وأعراضكم عليكم حرام..." [رواه مسلم].
فإذا تنازع الإخوة على المال، ضاعت المروءة، وتمزقت الصلة.

3. تدخلات الأزواج أو الأقارب

كلمة من زوجة، أو موقف من قريب، قد يتحول إلى نار تحرق العلاقات إذا غاب العقل، وسادت الأنانية.

4. ضعف الإيمان وهجر وصية الرحم

قال رسول الله ﷺ:
"لا يدخل الجنة قاطع رحم" [رواه البخاري ومسلم].
وقوله تعالى:
"فهل عسيتم إن توليتم أن تفسدوا في الأرض وتُقطّعوا أرحامكم" [محمد: 22].
إنها وصية عظيمة، يُفرّط فيها كثيرون.

5. الكبرياء وعدم الاعتذار

خلاف بسيط قد يطول لسنوات، ليس لأنه يستحق، بل لأن القلوب استكبرت أن تقول: "سامحني"، وكأنها لا تعلم أن الله يحب العافين عن الناس.


---

كيف نحفظ صلة الرحم بين الإخوة؟

أن نعلم أن الرحم متصلة بالله عز وجل، فقال في الحديث القدسي:
"أنا الرحمن، وهي الرحم، شققتُ لها اسمًا من اسمي، من وصلها وصلته، ومن قطعها قطعته" [رواه الترمذي].

أن نفرح لنجاح بعضنا، ونتجاوز الزلات، ونغلب حب الله على مشاعر الغضب.

أن نحسن الظن، ونسارع في إصلاح ذات البين.

أن نتذكّر أن الأم تدعو، وأن الله يُمهل ولا يُهمل.

 

---

ختامًا...

"من بيت واحد... لكن كلٌ في طريق!"
ليس هذا قدَرًا، بل نتيجة قرارات، وسوء فهم، وتراكم خصومات ما كان لها أن تبقى.
فلنعد خطوة إلى الوراء، لنبني خطوة إلى الأمام.
قال رسول الله ﷺ:
"الراحِمونَ يَرحَمُهُمُ الرَّحمنُ، ارْحَموا مَن في الأرْضِ يَرحَمْكم مَن في السَّماءِ" [رواه الترمذي].


---