الشاعر الذي أنقذ تاجراً من الإفلاس
بقلم: منصور بلعيدي
في مكة المكرمة، وقعت حكاية طريفة لتاجر ملابس جلب كمية كبيرة من خمارات النساء، وكان معظمها باللون الأسود. باع التاجر جميع الخمارات باستثناء السوداء، إذ لم يُقبل أحد على شرائها، فخشي أن تتكدس بضاعته ويخسر تجارته. لجأ التاجر إلى صديقه الشاعر وطلب مساعدته لإنقاذه من الإفلاس، فكتب له الشاعر هذه الأبيات الشهيرة:
قل للمليحة في الخمار الأسود
ماذا فعلتِ بزاهدٍ متعبد
قد كان شمر للصلاة إزاره
حتى وقفتِ له بباب المسجد
رُدي عليه صلاته وصيامه
لا تقتليه بحق دين محمد
ويُقال إن النساء تزاحمن بعد ذلك على شراء الخمارات السوداء حتى نفدت الكمية في وقت قياسي. فقد كان الشعر عند العرب يمثل وسيلة الإعلام في عصرهم، وكانوا يرونه مصدر فخر واعتزاز. ولشدة اهتمامهم بالشعر، كانوا يحتفلون بولادة شاعر في القبيلة احتفالاً ضخماً يعد من أهم الأحداث.
ومن مظاهر اهتمام العرب بالشعر، وضعهم للمعلقات، وهي نحو عشر قصائد من أروع ما قيل، عُلقت في جوف الكعبة تكريماً لها، والكعبة كانت أقدس مكان عند العرب قبل الإسلام.
ولم يكن الشعر حكراً على الرجال في ذلك العصر، فهذه الخنساء، الشاعرة الشهيرة التي بلغت أشعارها الآفاق. وعندما قُتل أخوها صخر في الحروب القبلية، قالت فيه قصائد مؤثرة خلدها التاريخ، منها:
يذكرني طلوع الشمس صخراً
وأذكره بكل مغيب شمس
ولولا كثرة الباكين حولي
على إخوانهم لقتلت نفسي
ويُقال إن الخنساء تزوجت رجلاً فقيراً، وكان أخوها صخر كلما شكت له ظروفها، يقسم ماله من الأغنام والإبل نصفين ويترك لها حرية اختيار القسم الذي تريد، وكان يحبها ويفضلها على أسرته، وهي كانت تبادله نفس الشعور.
هكذا كان الشعر في حياة العرب، وسيلة للتأثير والتغيير، وصوتاً يخلد الذكرى ويصنع المجد.