الكمبوست في وجه الحشيش:جبهة خضراء في حرب خنفر ضد الإدمان
في خنفر، حيث لا تزال آثار الحرب ماثلة في جدران البيوت المهجورة ووجوه الشباب العابرة بلا مقصد، لم تعد المخدرات خبرًا طارئًا — بل تحوّلت إلى ملامح يومية في أحياء الحصن وباتيس وجعار ومناطق خنفر الأخرى. شبابٌ أنهكتهم البطالة، وفتياتٌ انقطعن عن التعليم، وبيئةٌ توقفت عن الإنتاج بعد أن ذبلت تربتها، كما ذبلت الأحلام.
لكن ما عجزت عنه البرامج الأمنية والوعود التنموية، بدأ يتحقق من ساحة ترابية في أطراف باتيس، وسط أكوام من المخلفات الزراعية. لم تكن هناك مؤتمرات أو خطابات رسمية، بل أمل بسيط انعقد على يد شباب عاديين قرروا أن يقفوا في وجه المخدرات بالمجرفة والتُراب.
بقيادة المهندس عبدالقادر السميطي، وُلدت مبادرة "الكمبوست الطبيعي" — مشروع لا يحارب الإدمان بالعقاب، بل يزرع في طريقه بدائل حقيقية: أراضٍ منتجة، وشباب أعادوا اكتشاف أنفسهم وهم يُحوّلون نفاياتهم إلى تربةٍ خصبة وأملٍ قابل للإنبات.
حدث مفصلي: من عبث السموم إلى دورة الحياة
في بداية عام 2023، وبينما كانت المخدرات تواصل زحفها نحو شباب خنفر، جاء الرد من العمق المجتمعي نفسه. مبادرة "الكمبوست الطبيعي" لم تكن مجرّد مشروع بيئي، بل تحوّلت إلى وسيلة مبتكرة لكسر سلسلة الإدمان... من الجذور.
خضع أكثر من 100 شاب وشابة لتدريب عملي على تحويل المخلفات اليومية إلى سماد عضوي محلي باستخدام أدوات بسيطة وتقنيات بيئية مستدامة.
المزارع المهجورة تحوّلت إلى مساحات خضراء، وفناءات البيوت إلى مختبرات صغيرة للاستنبات.
تمت زراعة نباتات مقاومة للجفاف مثل الحناء والصبّار، وتعلّم المشاركون تسويق منتجاتهم محليًا، ما أتاح فرص دخل جديدة، وفتح أمامهم نافذة على حياة بديلة.
نتائج ملموسة
- انخفاض معدلات تعاطي المخدرات في خنفر خلال أقل من عام.
- إنتاج أكثر من 5 أطنان من الكمبوست الطبيعي خلال الشهور الستة الأولى.
- تحويل أراضٍ مهملة إلى مزارع عضوية يقودها شباب كانوا بالأمس في دوائر البطالة والضياع.
- مشاركة عدد من المستفيدين في تقديم ورش توعية لطلاب المدارس حول البيئة الخضراء للصحة النفسية.
يقول المهندس عبدالقادر السميطي: "لم نُقدّم للشباب محاضرات عن الأضرار، بل قدّمنا لهم تُرابًا يضعون فيه أيديهم... ويرون الحياة تنبت من جديد."
ما وراء القصة
الكمبوست هنا لم يكن مجرد منتج عضوي يُباع في السوق، بل رمز لتحوّل عميق: من ثقافة الاستسلام والعبث، إلى ثقافة التدوير والإحياء.
إنها دعوة لإعادة التفكير في وسائل مقاومة الأزمات المجتمعية — ليس من فوق المنصّات، بل من قلب الأرض، من الطين، ومن يد الشاب الذي رفض أن يكون ضحية لواقع فاسد.
يقول محمود علي (32 عامًا)، أحد المتدربين:
"كنت على حافة الهاوية… اليوم أبيع كمبوستًا من صنع يدي، وأقول لأصدقائي: تعالوا معي إلى الأرض بدل أن تذهبوا إلى الدمار."