عندما تقتل الكلمة 

نشهد ياغزة العزة أنكم قد كفيتم ووفيتم ، بذلتم الغالي والنفيس ، ضحيتم بآبائكم وإخوانكم ، بأهلكم وأقاربكم ، بأمهاتكم وزوجاتكم ، بأبنائكم وبناتكم ، بأموالكم ومساكنكم ، وقبل هذا وذاك ضحيتم بأنفسكم أيها الغزاويون المؤمنون المجاهدون ، لم تبخلوا بشيء من متاع الدنيا إلا وقدمتوه بسخاء في سبيل مقارعة طغيان الصهاينة ، وكسر تكبرهم وصلفهم ، بل أثبتم لهم أن المؤمن لا يهزم ، وأن المجاهد لا يستسلم ، وأن العربي الأصيل لا يساوم في حقه ، ولا يتنازل عن أرضه ، ولا يفرط في عرضه ، تخلت عنكم الأمة فلم يزدكم ذلك إلا إيمانا وثباتا ، تآمرت عليكم الأمة واصطفت لدعم عدوكم الصهيوني وعدوها ولم يخذلكم ذلك ، بل لم ترتعد عزائمكم ، ولم تضعف هممكم ، ومع هذا كله إلا أن الأمة مازالت غائبة أو مغيبة عن أفعالكم العظيمة ، وتضحياتهم الجسيمة ، حقا إنها لاتعلم إنكم تغسلون ثوب العار الذي لبسته بدمائكم الطاهرة الغزيرة التي تنزف منكم في كل لحظة وهي معطرة بكبرياء الرجولة والفداء . إنها لا تفقه إنكم تموتون في كل ثانية دفاعا عن جزء مقدس غال من ديار الإسلام . إنها لاتعلم أنكم تذبحون في الليل والنهار احتواء لعدو خبيث خسيس جبان يركض نحوهم ، ولولا صمودكم الأسطوري لأصبح بين عشية وضحاها على شرفات منازلهم . 

إننا نشهد يا أهلنا في غزة أن العدو الصهيوني قد قتل الشجر والحجر ، وقبل ذلك الإنسان ، فضلا عن المساكن والمساجد والكنائس والمشافي والمدارس ، والكهرباء ومياه الصرف الصحي ، وذلك بأحدث أسلحة الغرب الصليبي الصهيوني حتى أصبحت المستودعات الحربية الغربية خالية من آلات القتل ، لكنه أدرك أن جريمته لما تستكمل بعد ! فعمد إلى القتل بالتجويع . 

وعندما رأى أن هناك فتية أحرارا في غزة يصدعون بالكلمة ، وينقلون الحقيقة عن مصاب قطاع غزة إلى أحرار العالم قرر قتل الكلمة عبر استئصال الناطقين بها ، لعله بذلك يخفي عن أحرار العالم جرائمه اليومية التي يقوم بها في قطاع غزة ، إذ وصل به الاستهتار إلى قتل مايقارب ثلاثمائة صحفي من الناطقين بالكلمة التي تكشف جرائم الصهاينة وتنقل الحقيقة إلى أحرار العالم ، وآخر جريمة للعدو الصهيوني كانت اغتيال الصحفي المراسل أنس الشريف والطاقم الصحفي المرافق له ، ومع ذلك كله لم نسمع من يستنكر هذا الفعل الإجرامي الذي لا يقبله عقل ولا منطق من أمة العرب والإسلام وإعلامها العبري إلا من رحم ربي ، لكننا رأينا أحرار العالم كيف نزلوا إلى الشوارع ، وكيف اصطفوا على أبواب مؤسساتهم الحكومية ، يذرفون الدموع على أرباب الكلمة ، حاملين صور أنس الشريف ورفاقه ، يهتفون بسرعة القصاص من العدو الصهيوني المجرم ، الذي لا يحترم حقوق إنسان ، ولايعرف حقوق حيوان ، يدوس على العهود والمواثيق والقوانين ، فبئس الأمة أمة اصطفت في خندق عدوها ضد فتية مؤمنة تقاتل من أجل عزتها وكرامتها ومكانتها بين الأمم ، فما أبعد المسافة بين مايفعله الأول ومايقوم به الأخير !!!!