الحوثيون بين ارتباك طهران وخنق الاقتصاد: نحو تراجع وشيك!
تقدير موقف استراتيجي حول ارتدادات الحرب الإسرائيلية–الإيرانية على المشهد اليمني والإقليمي
أولاً: على مستوى الإقليم والقوى العربية الرئيسية
1- تحول ميزان الردع والاستقطاب الإقليمي
نتائج الحرب الإسرائيلية–الإيرانية، خصوصاً بعد الضربة الإسرائيلية الواسعة في يونيو 2025، أعادت رسم خرائط الردع والاصطفاف. ورغم الأضرار المتبادلة، فإن فشل إيران في إحداث ضربة استراتيجية مضادة، مع نجاح إسرائيل في شل منشآت نطنز وأصفهان، وضع طهران في موقع دفاعي، وقلّص من قدرتها على فرض الهيمنة في ساحات مثل سوريا والعراق ولبنان.
2- تعزيز المحور العربي التطبيعي
الدول العربية التي اختارت التماهي مع محور الردع الاستراتيجي بقيادة الولايات المتحدة وحلفائها الإقليميين وجدت نفسها أكثر أماناً واستقراراً. فالمحور بات يُنظر إليه كشبكة أمان فعالة ضد التهديدات الإيرانية، ما يعزز أولويات التعاون معه خصوصاً في مجالات الدفاع والتقنيات السيبرانية.
3- اهتزاز المشروع الإيراني التوسعي
الخسائر الإيرانية أفقدت “محور المقاومة” زخمه، وأثرت على معنويات أذرعه، خصوصاً حزب الله والحوثيين. دول كالعراق ولبنان قد تشهد إعادة توازن داخلي، مع صعود تيارات وطنية تسعى لتقليص نفوذ طهران لصالح القرار السيادي المحلي.
ثانياً: الانعكاسات على المشهد اليمني
1- إضعاف الحوثيين وفقدان مظلة الردع
الحوثيون، بوصفهم الذراع الإيرانية الأكثر تمدداً جنوب الجزيرة، تلقوا ضربة مركبة عبر تحجيم الداعم الأساسي في طهران، وتضييق الخناق الدولي عليهم. الضربات الإسرائيلية على منشآت الحرس الثوري ومرافق النفط في عبادان والأهواز شلّت قنوات الدعم المالي والتقني. كما استهدفت الغارات الإسرائيلية ميناءي الصليف ورأس عيسى شمال الساحل الغربي اليمني، مما عطّل شرايين تهريب النفط الإيراني وأفقد الحوثيين قدرة لوجستية حيوية.
أثر هذه الضربات تفاقم مع إعادة تصنيف الجماعة كمنظمة إرهابية أجنبية (FTO) من قبل وزارة الخزانة الأميركية، ما قاد إلى انسحاب شركات شحن وتجميد قنوات دعم كانت تُستخدم عبر واجهات إنسانية وتجارية. كما شمل التأثير الداخل اليمني، حيث سرّع من انتقال مراكز الثقل المالي إلى عدن، مع بدء البنوك التجارية والمؤسسات المصرفية بإعادة التموضع بعيداً عن صنعاء، خوفاً من العقوبات وتعقيدات الامتثال الدولي.
من جهة أخرى، تم تعقب وتفكيك قنوات التمويل البديلة عبر العملات المشفرة، والتي كانت تُستخدم لتجاوز العقوبات وتمويل العمليات الحوثية خارج النظام المصرفي. وأدى ذلك إلى تآكل القدرة على دفع الرواتب وتجنيد عناصر جديدة، بل وحتى إلى أزمة ثقة داخلية في قاعدة الجماعة الاجتماعية.
في المجمل، أصبح الدعم الإيراني—النفطي، المالي، التقني—أقل انتظاماً وتأثيراً، فيما بات الحوثيون مكشوفين أمام خصومهم المحليين والإقليميين، ومعتمدين على مصادر تمويل متناقصة ومهددة بالانقطاع في أي لحظة.
2- فرصة لإعادة تعريف المشروع الوطني
تراجع نفوذ الحوثي يمثل نافذة استراتيجية لإعادة تشكيل المشروع الوطني اليمني على أسس توازن وعدالة. القوى الوطنية غير المرتبطة بأجندات خارجية—كالمجلس الانتقالي الجنوبي وبعض مكونات الشرعية المنفتحة على الشراكات الإقليمية الجديدة—باتت في موقع أفضل للمناورة السياسية والانخراط في ترتيبات ما بعد الحوثيين، شريطة تجاوز الصراعات الداخلية والرهانات المؤقتة.
3- تحفيز فاعلين محليين لإعادة الحسابات
الفراغ الذي قد تتركه طهران في المشهد اليمني سيشجع قوى محلية—من قبائل وشخصيات نافذة في مناطق سيطرة الحوثيين—على إعادة التموضع السياسي، والبحث عن تسويات داخلية أكثر براغماتية، ما قد يُمهّد لمسارات تفكيك تدريجي للجماعة من الداخل.
4- اندماج تدريجي ضمن المظلة الخليجية
في المقابل، قد تتسارع عمليات الدمج الاقتصادي والأمني للمناطق المحررة ضمن المنظومات الخليجية، سواء عبر مشاريع الطاقة والموانئ، أو من خلال شبكات الأمن والتقنيات الحدودية. وهذا سيوفر بدائل استراتيجية لعدن وحضرموت ومأرب، ويمنحها فرصة لتجاوز سنوات التهميش والاعتماد على الاقتصاد الريعي أو المساعدات الطارئة.
*خاتمة:*
الحرب الإسرائيلية–الإيرانية كشفت حدود القوة الإيرانية وأربكت وكلاءها، لكنها في المقابل فتحت أمام اليمنيين والعرب لحظة فارقة لإعادة ضبط المعادلات، شريطة استثمار الفراغ بتصورات سيادية ومشاريع وطنية. ليس من المؤكد أن الحوثيين سيتراجعون فوراً، لكن المؤكد أن مظلتهم الخارجية لم تعد حصناً كما كانت، وأن توازن القوى يتغير لصالح يمن أكثر تعددية وتحالفاً مع محيطه العربي.