مصفاة عدن، فساد مفضوح تحميه الدولة العميقة؟

تبدو محكمة الأموال العامة بعدن، في كل جلسة من جلسات محاكمة المتهمين في قضية فساد مشروع كهرباء مصافي عدن، وكأنها تُدار في مسرح عبثي، لا في قاعة عدالة.

القضية التي تعود إلى صفقة مشبوهة تجاوزت 185 مليون دولار، لم تنتج سوى “أساسات مبنى”، فيما لا تزال المصفاة معطلة، والأموال تبخرت، والمتهمون يتوارون خلف غيابات مريبة.

لكن، لماذا كل هذا الغموض؟ ومن الذي يمنح الغطاء لكل هذا العبث؟

بحسب قانون الإجراءات الجزائية اليمني، فإن المتهم في القضايا الجنائية والمالية الجسيمة، له الحق في تعيين محامٍ للدفاع عنه، وإذا تخلف، جاز للمحكمة أن تعين له محاميًا من قبل نقابة المحامين، غير أن النيابة العامة، في هذه القضية، اعترضت على تكليف المحكمة لمحامٍ بعينه، وطلبت التنسيق مع النقابة، ما يطرح تساؤلات حول الجهة التي تسعى لتعطيل إجراءات المحاكمة، ولمصلحة من يُستنزف الوقت والعدالة؟

إن هذا السجال القانوني، وإن بدا في ظاهره خلافًا شكليًا حول الإجراءات، إلا أنه يخفي وراءه تعطيلًا متعمدًا لملف حساس يطال كبار المسؤولين، ويكشف شبكة مصالح تتقاطع مع نفوذ الدولة العميقة التي ما زالت تمسك بمفاصل القرار.

ليست مصادفة أن تمتد خيوط هذه القضية لتطال شخصيات نافذة أبرمت صفقة مع شركة صينية دون دراسة جدوى، وبلا حاجة فعلية لإنشاء محطة كهرباء، وكأن الهدف لم يكن إعادة تشغيل المصفاة، بل تمرير صفقة للاستثمار غير الضروري، يدرّ أرباحًا خفية على قلة، ويترك البلاد في ظلام دامس.

إن غياب المتهمين، وتأجيل الجلسات، ورفض التعاون القضائي، كلها علامات على أن يدًا خفية تعرقل سير العدالة، وهي اليد ذاتها التي عطلت تشغيل المصفاة، وحالت دون مساءلة مسؤوليها. وما يُخشى فعلاً هو أن تكون هذه القضية مجرد نموذج مكرر من قضايا كبرى تُقبر دون حساب، تحت حماية نفوذ لا يخضع للقانون.

تُعد شركة مصافي عدن رمزًا سياديًا وعملاقًا اقتصاديًا جنوبيًا، وتركها لعقود دون تحديث أو تشغيل فعلي، رغم توقيع 13 اتفاقية في المشروع الأخير، ليس فشلًا إداريًا فحسب، بل جريمة اقتصادية مكتملة الأركان. فمن المسؤول عن تحويل هذه المؤسسة من ركيزة استراتيجية إلى عبء مالي ومستنقع فساد؟

إن مصفاة عدن لم تعد مجرد مشروع متوقف، بل تحولت إلى قضية وطنية تختزل أزمة الدولة، سيادة منتهكة، اقتصاد مرتهن، وعدالة معطلة.

وإذ يتابع الرأي العام الجنوبي هذه القضية بشغف وقلق، فإنها باتت اختبارًا حقيقيًا لمدى قدرة القضاء، والحراك الوطني، على دحر نفوذ الدولة العميقة، واستعادة مؤسسات الجنوب من براثن الفساد.

لماذا لا تُنشر تقارير الجهاز المركزي للرقابة والمحاسبة كاملة؟ ولماذا لا تُكشف تفاصيل العقود الـ13 للرأي العام؟ وأين دور مجلس القيادة الرئاسي من ملف بهذه الخطورة؟ الأسئلة كثيرة، والأجوبة غائبة، ما لم يتحول هذا الملف إلى قضية رأي عام وضغط شعبي.

ما تحتاجه مصفاة عدن اليوم ليس فقط تأهيل بنيتها، بل إعادة تأهيل النظام برمته، قانونيًا، سياسيًا، ومجتمعيًا، حتى لا تبقى منشأة سيادية أسيرة صفقة، ومحكمة سجينة مناورات شكلية، وعدالة رهينة غياب المتهمين.