ورقةٌ تخنقُ الوطن

في زاويةٍ من زوايا الحقولِ، نبتت شجرةٌ صغيرةٌ خضراءُ، لم يُلقِ لها الناسُ بالًا أول الأمر؛ لكنها شيئًا فشيئًا تمددت، وغزت، واستحوذت على الترابِ والماءِ، والروحِ والعقلِ... تلك الشجرةُ هي القات، الورقةُ التي تخنقُ وطنًا بأسره، وتبتلعُ خيرَه، وتسرقُ نهارَه، وتطفئُ أنوارَه.

القاتُ ليس مجرّد عادةٍ اجتماعيةٍ كما يزعمُ البعضُ، ولا مجرد تسليةٍ عابرةٍ تُؤنسُ المجالسَ؛ بل هو داءٌ عضالٌ، ضربَ جذورَه في أرضِ اليمنِ، وأوجعَها في صميمِ كيانِها.

أرضٌ كانت موعودةً بالقمحِ والبنِّ، والثمارِ والزهورِ، أصبحت أسيرةً لعطشِ القاتِ، يُستنزفُ ماؤها، ويُنهبُ اقتصادها، ويُسرقُ شبابها.

في كلِّ بيتٍ قصةٌ حزينةٌ عنوانُها القات؛ أبٌ يستهلكُ قوتَ عيالِه في وريقاتٍ خضراءَ، وأمٌّ تنتظرُ من يعينُها، وأطفالٌ يرتبكونَ أمامَ سؤالِ المدرسةِ: لماذا لا يأتي أبي؟
شبابٌ ضاعت أعمارُهم بين الجدرانِ والتخزينِ، وسهَرٌ؛ بلا معنى، وكسلٌ؛ بلا توبة، وخمولٌ؛ لا تبريرَ له؛ إلا القات!

ليس الدينُ وحده من يشكو؛ بل الجسدُ أيضًا يئنُّ: أسنانٌ مُتآكلةٌ، معدةٌ مُنهَكةٌ، قلبٌ مرهَقٌ، ودمٌ ملوّثٌ بالسمومِ والقلقِ والمبيدات.
ولا تتوقفُ القصةُ هنا؛ فالقاتُ يُحوِّلُ المزارعَ الخصبةَ إلى صحراءَ موحشةٍ، يسرقُ الماءَ، ويهدرُ الجهدَ، ويمنعُ الأملَ من أن يُزهِر.

يا أهلَ اليمنِ! أليس منكم رجلٌ رشيدٌ؟ أليس بينكم من يقول: كفى؟ من يَشعر أن الوطنَ يستحقُّ حياةً أفضلَ من هذه الورقةِ الخادعةِ؟
من يَرى أن أطفالَه أحقُّ بالأرضِ والماءِ من شجرةٍ لا تُطعمُ ولا تَسقي؟
من يؤمن أن القاتَ لا يُبقي ولا يذر، وأن الوقتَ قد حان لتقتلعوا الخطرَ من الجذورِ، لا من الأغصانِ فقط؟

إنّ الأملَ في التغييرِ موجودٌ، والإرادةَ ممكنةٌ، واليمنُ قد عرفتْ طريقَ العزةِ يومًا، وستعودُ إليها إذا ما قرّرَت أن تتحررَ من هذا القيدِ الطاغي.

"من تركَ شيئًا لله عوّضه الله خيرًا منه"، ومن اقتلعَ القاتَ من أرضِه، ومن قلبِه، ومن وقتِه، فقد أحيا حياةً، وأيقظَ مستقبلًا.

كفى خُضوعًا لعادةٍ قاتلةٍ. كفى دفنًا لأحلامِنا في أوراقٍ لا تَسمنُ ولا تُغني من جوعٍ. آن الأوانُ أن نختارَ الحياةَ دون قات!
وفق الله الجميع، وأدام سلامتهم!