المخدرات... "سمّ العصر المدمّر" ما بين لعنة الدين وسقوط القيم.
تعد المخدرات من أخطر الآفات التي تنهش جسد المجتمعات الحديثة، وقد باتت اليوم أكثر انتشارًا وتغلغلًا في مجتمعنا بفعل عدة عوامل متداخلة، أبرزها ضعف الوعي الجماهيري، والانفلات الأمني، وتراخي الرقابة المجتمعية والمؤسسية. هذا الانتشار الواسع لا يُهدد الفرد فحسب، بل يُهدد البنية الاجتماعية برمتها من خلال ما تخلّفه المخدرات من تداعيات صحية ونفسية، واضطرابات اجتماعية وأسرية، وانتكاسات اقتصادية، وتهديد مباشر للأمن الوطني واستقرار المجتمع. ومن هنا جاءت الشريعة الإسلامية بمنهجها الوقائي والوقائي لتحذر من هذه الآفة وتحظرها بشدة، سعيًا إلى حماية النفس البشرية من كل ما يُهلكها أو يُفسد فطرتها، انطلاقًا من قيم عظيمة تُعلي من شأن الإنسان وتصون كرامته.
لقد تناولت النصوص القرآنية والأحاديث النبوية هذا الخطر بشكل واضح وصريح؛ فقد حرّم الله الخمر والميسر في قوله: "فِيهِمَا إِثْمٌ كَبِيرٌ..."، ونهى عن إهلاك النفس والفساد في الأرض، كما قال تعالى: "وَلَا تُلْقُوا بِأَيْدِيكُمْ إِلَى التَّهْلُكَةِ" و"وَلَا تُفْسِدُوا فِي الْأَرْضِ بَعْدَ إِصْلَاحِهَا". وفي السنة النبوية، شدد الرسول ﷺ على تحريم كل مسكر، فقال: "كل مسكر خمر وكل خمر حرام"، ولعن كل من يتعامل مع هذه السموم بأي شكل كان.
وتُبيّن هذه النصوص أن المخدرات ليست مجرد مخالفة قانونية، بل انتهاك صريح لقيم الدين، وعدوان خطير على النفس الإنسانية التي كرّمها الله.
وإذا نظرنا إلى أنواع المخدرات، فإننا نجد أن بعضها يأتي من مصادر طبيعية مثل الأفيون والحشيش، والبعض الآخر يُصنّع كيميائيًا مثل الكوكايين والهيروين، وهناك أنواع اصطناعية كالتّرامادول والفينتانيل، بالإضافة إلى المخدرات المهلوسة التي تُغيّر الإدراك الحسي كالميسكالين وLSD. جميع هذه الأنواع تُسبب أمراضًا خطيرة، مثل تلف الدماغ وأمراض القلب والكبد والكلى، وترفع خطر الإصابة بالأمراض المعدية، فضلًا عن الإدمان الذي يقضي على إرادة الإنسان ويفكك شخصيته.
أما على مستوى المجتمع، فنتائج هذه الآفة لا تُحصى؛ انهيار أخلاقي، تفكك أسري، ارتفاع معدلات الطلاق والعنف، ازدياد الجرائم، ضياع القيم، شلل اقتصادي، تراجع في الإنتاج، واتساع رقعة الفقر والبطالة. إنها أزمات متداخلة تُهدد مستقبل الوطن وتنخر في أساساته.
ولمواجهة هذا التحدي، لا بد من تحرك متكامل يشمل أربعة محاور رئيسية:
_نشر المعرفة حول خطر المخدرات عبر وسائل الإعلام والمنصات الرقمية والمؤسسات التربوية.
_ تكثيف جهود دور الأسرة والمدرسة والمسجد في بناء جيل واعٍ ومحصّن أخلاقيًا وفكريًا ضد هذه السموم.
_ تفعيل قوانين صارمة لمحاربة المخدرات وتجريم تداولها وتعاطيها، وتطبيق العقوبات بلا تساهل، مع مراجعة قانون الجرائم والعقوبات الحالي الذي يشكو من بعض القصور.
_ اتحاد التعاون الجمعيات والمؤسسات المدنية والمبادرات التطوعية في مكافحة هذه الظاهرة، ودعم من يتعافى منها نفسيًا واجتماعيًا.
وختاما فإن الشريعة الإسلامية هدفت إلى تعظيم قيمة الإنسان وحمايته من الهلاك، واعتبرت النفس البشرية أقدس من الكعبة نفسها؛ ففي الحديث الشريف: "لهدم الكعبة حجرًا حجرًا أهون عند الله من هدر دم امرئ مسلم". ومن هنا، فإن إهمال هذه القضية يُعد تفريطًا بأمن الأمة وكرامتها، ويفتح الباب لأعدائها لهدمها من الداخل.
حفظ الله مجتمعنا وأجيالنا من هذه الآفة، ووفقنا جميعًا إلى وعيٍ حقيقي، وتكاتفٍ صادق، لحماية الدين والوطن من خطر المخدرات.