من فوضى الشارع إلى فوضى السلطة
في الأوطان المنهكة لا يولد الفساد فقط في دهاليز السياسة بل يصنع في الشوارع ويتغذى على سلوك العامة ويترعرع في بيئة لا تحترم النظام ولا تقدر الكفاءة.
من يلقي القمامة في الشارع ويكسر النظام في الطابور ويغض الطرف عن الخطأ بحجة ما لي دخل هو ذاته من يصفق لفاسد لأنه من قبيلته أو يدافع عن جاهل لأنه ابن شيخ أو يقصي كفوءا لأنه لا يملك ظهرا .
المجتمع الذي لا يحسن إدارة أبسط تفاصيل حياته اليومية لن يحسن اختيار مسؤول ولا بناء دولة ولا صناعة مستقبل ومن لا يحترم النظام في الشارع لن يطالب به في المؤسسات ومن يتغاضى عن الظلم في الحي لن ينتصر للعدالة في الحكم .
إذا أردت أن تعرف مستقبل أمة لا تنظر فقط إلى من يحكمها بل انظر كيف يتصرف شعبها في الزحام، في المدارس في النظافة في احترام الوقت في اختيار من يمثلهم.
لذالك المجتمع هو البنية التحتية لأي نظام سياسي أو إداري وعندما تنهار القيم الأساسية في سلوك الأفراد ينهار بالضرورة البناء الأعلى للدولة حين يشيع الفساد الصغير في تفاصيل الحياة اليومية كالرشوة في المرور أو المحاباة في التعيينات أو التسيب في الدوائر الحكومية يصبح من السذاجة أن نطالب بدولة مثالية تحترم القوانين وتعلي من الكفاءات.
ما يحدث فعليا هو أن المجتمع ينتج ما يشبهه. الفاسد في منصبه غالباً ما صعد نتيجة منظومة اجتماعية تبرر الفساد أو تبرع في تبريره أو على الأقل تتقبله والأدهى أن المواطن حين يصعد للمنصب يتقمص سلوكيات من سبقوه لأنه لم يتربى على احترام النظام من الأساس.
المسألة إذا ليست فقط في تغيير الحاكم أو الوزير بل في تغيير العقلية العامة في بناء ثقافة مدنية ترى في إلقاء القمامة في مكانها عملا وطنيا وتعتبر احترام الطوابير سلوكا حضاريا لا يحتاج شرطيا ليُفرض. إذا لم تتغير هذه التفاصيل البسيطة في وعي الناس فلن يتغير الكبير أيضا.
ففي النهاية لا توضع الدولة على أكتاف الحكام فقط بل تبنى من سلوك الناس، ومن هنا تبدأ الكارثة أو تبدأ النهضة.