الوضع الأمني المنفلت في محافظة تعز.. أربعة عشر عامًا من الفوضى والانهيار
شهدت محافظة تعز، إحدى كبرى محافظات اليمن وأكثرها كثافة سكانية، تحولاً جذرياً ومأساوياً في وضعها الأمني منذ عام 2011م، بعد أن كانت تعرف بكونها مدينة مستقرة وهادئة نسبياً، يسودها النظام والقانون وتحكمها الدولة عبر سلطة محلية فاعلة، كانت تعمل في إطار منظومة قانونية وإدارية تُحترم فيها المؤسسات وتحفظ للمواطنين أمنهم واستقرارهم.
قبل عام 2011م ، كانت الحياة في تعز تسير بوتيرة طبيعية. كان المواطن يشعر بالأمان في بيته وفي سوقه، وتمارس السلطة المحلية دورها بفاعلية في ضبط الأمن، وحل النزاعات، ومنع الجريمة، والحفاظ على السلم الاجتماعي. إلا أن الأحداث التي تلت عام 2011م والتي جاءت ضمن موجة ما سُمي بـالربيع العربي، أدخلت اليمن عمومًا، ومحافظة تعز على وجه الخصوص، في نفق مظلم من الفوضى والانقسام السياسي والمجتمعي.
بدأت المحافظة تفقد تدريجياً منظومتها الأمنية، وانهارت مؤسسات الدولة أمام تصاعد الانقسامات السياسية، وتفشي النزاع المسلح بين مختلف الأطراف. وتحولت المحافظة إلى ساحة مفتوحة للصراعات المسلحة والتصفيات، وحلّت الفوضى مكان النظام، وأصبح الأمن منعدماً بشكل شبه كامل في كثير من مناطق المحافظة.
ومع اندلاع الحرب الإنقلابية في اليمن عام 2015م تفاقمت الأوضاع، حيث وجدت تعز نفسها في قلب المعركة. وفُرض علي المدينة حصار خانق من عدة جهات، وتعرضت أحياؤها للقصف المستمر، وانهارت معظم البُنى التحتية الأساسية، خاصة ما يتعلق بالخدمات الأمنية والقضائية. وأدى ذلك إلى تفشي الجريمة بكل أشكالها، من قتل وسرقة ونهب وسطو على المنازل والأراضي، وصولاً إلى الاختطاف والانتهاكات المستمرة بحق المدنيين.
في ظل غياب الدولة الفاعلة، أصبحت تعز مثالاً حياً على ما يمكن أن تسببه الفوضى السياسية والعسكرية من انهيار مجتمعي شامل. لم يعد هناك وجود فعلي لمؤسسات القضاء أو الأمن، وتحولت قضايا المواطنين إلى رهائن في أيدي جماعات مسلحة تتصرف بمنطق الغلبة لا القانون. وتزايدت معدلات الجريمة، وشهدت المحافظة تصاعداً مخيفاً في جرائم القتل العمد، والسطو المسلح، والابتزاز، والنزاعات على الأراضي.
اليوم وبعد أربعة عشر عامًا من الفوضى، تعيش تعز وضعاً أمنياً كارثياً بكل المقاييس. فما بين الحصار والانفلات والاقتتال والانقسام، ضاعت ملامح المدينة التي كانت يوماً ما تُعرف بالعاصمة الثقافية للجمهورية اليمنية، وأصبح المواطن البسيط هو الضحية الأولى والأخيرة لهذا الانهيار المتواصل. إن إعادة بناء منظومة الأمن في تعز يتطلب جهداً وطنياً جاداً، وإرادة سياسية صادقة لإعادة الاعتبار للدولة والقانون، وبسط سيادتها على كامل التراب الوطني.