في حاضرة الظلام 2

لعل في حديثي عن رحلتي القصيرة في هذه الليلة المباركة في حي من أحياء حاضرة الظلام درسا هادفا لمن أراد أن يلقي السمع أو يدفع بالبصر نحو المستقبل الحقيقي لهذه الأمة التائهة في مجاهيل الظلمات ؛ إذ خرجت من منزلي عند الأصيل ، وظللت أمشي حتى فاجأني الغروب بثوبه الأسود الذي التقى مع غياب الكهرباء فشكلا معا ظلمات بعضها فوق بعض ، صليت المغرب في بيت من بيوت الله ، ومكثت في المسجد لأكثر من 20 دقيقة بعد الصلاة ، وإذا بحلقات تتشكل في باحات المسجد لتعليم القرآن الكريم ، يزيد عددها على عشر حلقات ، يدير كل حلقة حافظ من حفاظ كتاب الله ...

وإذا بخيالي يحلق بي عاليا في عالم الأمنيات والتمنيات قائلا : ياليت قومي يعلمون ، فقلت : لقد أشقيتني أيها الخيال الجامح ، بربك ما الذي ترمي إليه ؟ أجاب : الذي أرمي إليه أن هذا التعليم إنما ينحصر حول حفظ الألفاظ وحسب ، وما أريده أو أتمناه أن يتعلم هذا النشء معاني كتاب الله ودلالاته ، قلت هلا وضحت الأمر أكثر أيها الخيال التعيس ؟ أجاب : إنما أقصد أن يعلم الجيل ما يدعو إليه القرآن ؛ مثل التوجه نحو العلوم والمعارف ، والتكافل ، والتراحم ، والتآزر ، وإغاثة الملهوف ، وإجارة المستجير ، والانتصار للمظلوم ، والعمل بأخلاق القرآن الفاضلة ، والتمييز بين الخصم وبين العدو ، وبين الحاقد المتربص وبين المنافس ... فقلت : كفى أيها الخيال الحالم ، أولم تعلم أن العدو قد اخترقنا من القمة إلى القاعدة ، بل أصبح يوجهنا إلى ما يشاء بلغة الإشارة ؟