ضحكوا علينا
السقوط من عليّ لا يحتاج إلى إذن مسبق، ولا تبرره تلك الغفلة التي تتلحفها الأعذار في ليالي الهزيمة.
لا يبرره أيضا ذلك الود المفرط الذي جعلنا نمنح مفاتيحنا لمن لا يعرف سوى فنون السطو السياسي، بكل ما في قاموس السياسة من صبر مفخخ بالهدوء الذي يسبق الكارثة.
ومع ذلك، ها نحن نسمع اليوم، بعد أن صارت الهزائم معلبة وجاهزة للتوزيع من يرفع عقيرته بإسطوانة مشروخة، اسمها..
"ضحكوا علينا"
وكأن اكتشافه هذا فتح مبين، أو كشف أثري سيغير مجرى الوقيعة.
ضحكوا علينا؟!
بل نحن الذين أقمنا لهم مهرجان الضحك المجاني، ومكناهم من رقابنا.
نحن الذين جلسنا على الأرض كالأطفال نتفرج على ألاعيبهم، نصفق حين يتلونون، ونصفر حين يرقصون على مواجعنا، ونتجادل نحن على مراتب ولائنا لهم، وهم يسرقون الكراسي والطاولات ومفاتيح أسرارنا.
ثم تأتي اليوم، متأبطا قلة الحيلة، لتعيد على مسامعي نغمتك الحزينة:
"ضحكوا علينا"
وكأنك جئت بخبرٍ من رأسك المربع.
يا صاحبي، السقوط لا يصنعه القدر وحده، السقوط صناعة يدوية دقيقة،
نصنعه نحن حين نرفع من لا يستحق، ونغلق أبواب عقولنا لنستمتع في زفة التصفيق والتطبيل.
نصنعه حين نحسب أن الثقة صك غفرانٍ أبدي، فنرمي بها في جيوب من يجيدون طيها على شكل كمين سياسي.
أما الغباء؟
فنحن محله ومأواه، وبيته ومطرحه.
هنا يكمن الداء، وهنا تباع الأوهام بالتجزئة على طوابير الخجفان.
فلا تعد إلي بدموعك الصناعية، ولا بإسطوانتك المملة، فأنا أعرف مسبقا لحنها ونشازها.
"ضحكوا علينا"
بل قُل الحقيقة كما هي:
نحن من صفقنا ونحن من صنعنا السقوط بأيدينا، ثم بكينا على حطام الكرسي وكأننا لم نكن من رفع الجالس عليه.
السقوط من علي، لا تبرره الغفلة ولا الثقة المفرطة، أما الغباء فهذا محله، ومكمن الداء في قلة الحيلة أمام من يجيد فن السياسة بكل ما تحمله من حقارة وخبث ومكر ودهاء.
فلا تحدثني اليوم وبعد فوات الأوان لتكرر وتعيد على مسامعي إسطوانتك المشروحة "ضحكوا علينا"
بل قل .. أنا غبي من يوم يومي، وعطف سجادتك وانسحب غير مأسوف عليك.