من ارتزاق بن ذي يزن إلى ارتزاق اليوم... تاريخ يُعاد إنتاجه

في سرديةٍ مشهورة متداولة ، يُقدَّم عهد سيف بن ذي يزن كرمز للتحرير ، حين طُرد الأحباش من اليمن. لكن خلف ستار المجد المزعوم، يلوح تحالفٌ مريب باهظ الثمن مع الفرس الساسانيين، الذين دخلوا اليمن بجيوشٍ من السجناء، لا حبًا في أرض سبأ، بل رغبةً في التوسع والسيطرة. لم يكن ذلك "الخلاص" سوى ارتزاقٍ مموّهٍ بالوطنية، تشهد عليه وصاية الفرس التي أُحكمت بعد طرد الأحباش، حتى اعترف سيف بنفسه: "استبدلنا أسيادًا بأسياد."

والتاريخ، بحُكم عادته، لا يعيد نفسه حرفيًا، بل يُعيد منطق الخضوع ذاته في ثوبٍ جديد.

 ففي مشهدنا المعاصر، يظهر الحوثي مدّعي الوطنية، ممتطيًا دعم إيران الفارسية، يبرر التبعية بأنها "ضرورة سياسية"، فيما يقطف بعض من قيادات الشرعية ثمار معارك خيضت بسلاح أبناء الجنوب ، حاشدين شعارات الوطنية من على فنادق العواصم الأجنبية.

ويأتي في قلب هذه السردية المقارنة التي لا يمكن تجاهلها: موقفان متباينان لملكَيْن من الشرق والغرب، كسرى ملك الفرس، والنجاشي ملك الحبشة. كسرى رأى رسالة الرسول الكريم صلى الله عليه وسلم تهديدًا لعرشه، فاختار الكبرياء على الحقيقة، بينما النجاشي رأى فيها نورًا، فاختار الإيمان على السلطان.

هكذا تتضح الصورة: من سيف بن ذي يزن إلى الحوثي، من كسرى إلى من يُعيد تمجيده اليوم… 

البطولة لا تُشترى، والسيادة لا تُهدى. وما حدث بالأمس ليس مجدًا، بل درسٌ يجب أن يُوعى، كي لا يُصبغ على مرتزقة العصر بريقٌ زائف، فيُعاد إنتاج الخيانة من جديد.