حكايات من تاريخ عدن

(أبين الآن) بحث وتقديم / وديع أمان
كان ياما كان في قديم الزمان .. كان هناك مدينة إسمها عدن حباها الله بموقع إستراتيجي هام ووظيفة إلهية تجعل منها مدينة الميناء لوقوعها في منتصف خط التجارة العالمي ناهيك عن وجود عدداً من الأخوار الطبيعية (رؤوس جبلية) حول المدينة وبالإمكان إستخدامها كمراسي للسفن على مدار السنة وتجاوز مشكلة الرياح وهذه ميزة إلهية قلما نجدها في مدن الدنيا ، كما أن ميناء عدن في عهد الحكم البريطاني أحتل المرتبة الثالثة (عالمياً) من حيث الأهمية خلال خمسينات وستينات القرن المنصرم بعد مينائي نيويورك و ليفربول
نعود قليلاً بالتأريخ إلى الوراء وتحديداً قبل 600 عام حينما أرسل إمبراطور الصين أسطول بحري تجاري قوامه 300 سفينة، لشراء أفضل البضائع من أشهر الأسواق العالمية، وكانت "عدن" إحدى تلك الأسواق العالمية الشهيرة
وبالعودة للوراء أكثر قليلاً وتحديداً إلى زمن بداية الخلق، حينما خلق الله آدم ثم هابيل وقابيل (عليهم السلام) وقصة قتل قابيل لأخيه هابيل، فقد ذُكرت هذه القصة في كتب التراث القديمة وفي الكتاب السماوي "التوراة" قيل بأن قابيل قد هرب خوفاً من أبيه بعد قتله لأخيه وسكن في "أرض نودٍ" شرقي عدن، و قيل أيضاً بأن قبر قابيل يقع في الممر الرئيسي لعدن
في حقبة الثمانينات قام المؤرخ العدني الراحل "عبدالله محيرز" برحلة بحث في أسبار أشهر المكتبات العالمية، لجمع مايمكن جمعه عن تاريخ مدينة عدن، وكانت رحلته تلك ممولة من رئيس الجمهورية آنذاك الرئيس علي ناصر محمد، وكانت نتائج الرحلة أن أكتشف "محيرز" بأن لا ذكر لعدن في الكتب القديمة لفترة قدرها محيرز بحوالي 900 عام، أي أن هناك علامة إستفهام كبرى حول صمت الكتب والمراجع عن ذكر عدن خلال تسعة قرون، وقد وضع لنا "محيرز" العديد من الكتب التاريخية التي أغنت مكتبتنا اليوم بأهم المعلومات التاريخية عن تاريخ عدن القديم
في حقبة الإستعمار البريطاني لعدن 1839 - 1967 قامت الحكومة البريطانية في مستعمرة عدن بأعمال ترميمات لخزانات المياه القديمة (صهاريج وادي الطويلة) و ترميمات أخرى للسبعة الدروب المتواجدة في أعلى هضبة جبل شمسان 1854 ثم ترميمات أخرى مابين 1950 و 1960 والأخيرة شهدت تحركات مريبة وإنتشار للجنود الإنجليز في محيط صهاريج عدن وتم منع الأهالي من الإقتراب أو الطلوع إلى هضبة جبل شمسان لمدة عام كامل تقريباً، ولا يعلم أحد أسباب تلك التصرفات الغريبة والمريبة حتى اليوم فحكومة الإستعمار البريطاني كانت دائماً تسعى لطمس و محو تاريخ عدن القديم خلال فترة إحتلالها لعدن ولكنها فشلت (؟) و ربما قد وجد الإنجليز في هضبة جبل شمسان كهفاً أو مغارةً تعود إلى ماقبل التاريخ المكتشف !!
عدن .. مدينة تاريخية بإمتياز لكنها لم تلقى حقها في التدوين مثل نظيراتها من المدن التاريخية كمصر وبغداد ودمشق ، وعلى الرغم من بقاء معالمها الأثرية و التاريخية وشواهدها الحضارية إلى يومنا هذا، إلا أن الجهات الحكومية المختصة وذات العلاقة لا تولي عدنَ القدر الأدنى من الإهتمام التي تستحق، فأحجار الاعجوبة الهندسية الفريدة التي سبق زمانها (الصهاريج) تتساقط الحجر تلو الحجر في مشهد يدمي القلب وكذلك هو الحال بالنسبة لحصننا المنيع (قلعة صيرة) ولا يسعني هنا ذِكر كل معلم ومبنى أثري وتاريخي هو بحاجة اليوم إلى تدخل سريع وإنقاذه من الإندثار قبل فوات الأوان نظراً لما يُمثله من هوية تاريخية وإرث إنساني عالمي.
ملاحظة الصورة المرفقة هي لوحة قديمة لمدينة عدن خلال أواخر القرن السادس عشر الميلادي، بريشة الرسام (براون هوغنبيرغ)