مخاطر المراكز الديسياسية غير النظامية على السلم والاستقرار الأهلي في الجنوب!!

إنشاء مراكز دينية داخل أي بلد دون موافقة سلطاته الرسمية، يعد تدخلا سافرا من قبل هذا الطرف أو ذاك، في شؤون بلد مستقل، يمتلك السيادة الكاملة على أراضيه. 
بخصوص المراكز الدينية في الشمال فأنها ظاهرة غير طبيعية رافقت مرحلة سياسية مرت بها الجمهورية العربية اليمنية قبل الوحدة الاندماجية، سيما في عهد آخر رئيس للعربية اليمنية (علي عبد الله صالح)، الذي شهدت فترة قيادته سقوط السيادة الوطنية للبلد، وتحكم أطراف إقليمية في قراره السيادي. كان مبرر ذلك التدخل الخارق في ظاهره مواجهة القوى اليسارية والمد الاشتراكي على أرض الشمال، لكن في حقيقة الأمر كانت هناك أهداف سياسية تتوارى خلف تلك الممارسات، فقد تمخض عن ذلك الفعل ظهور جماعة الإخوان المسلمين (حزب الإصلاح) إلى العلن، بأجندات سياسية، تسعى للوصول إلى السلطة بشتى الوسائل والطرق، عوضا عن بروز جماعات أصولية لها مشروعها السياسي وأدواتها غير الوطنية لتحقيق أهدافها، في ظل تبعياتها التامة لأطراف إقليمية ودولية لها مصالحها من هذا التمويل والتبني.
تدين جماعات الداخل بالولاء الكامل للخارج، وتسعى لخدمة مصالحه على الأرض التي تتواجد عليها، على حساب الوطن ومكاسبه القومية، بما يلحق الضرر بالسلم الأهلي للمجتمع والروابط بين أبنائه، لما تحمله من فكر غريب ودعوات مشبوهة لا تمت بصلة لثقافة المجتمع.

كان للجنوب نصيبه من هذا المشروع القادم من خلف الحدود، سيما بعد الوحدة مع الشمال، حيث حاولت الجماعات المتشددة في الشمال توسعة مشروعها السياسي، وتفريخ جماعات لها في الجنوب، من أجل احتواء الجنوب سياسيا والسيطرة على مقدراته، فأُنشئت عشرات المعاهد والمراكز الديسياسية في مدن الجنوب، واُستقطب إليها الآلاف من شباب الجنوب لتلقي التعاليم المخصصة على أيدي زعمائها التقليديين، مما أسفر ذلك عن انتشار الفكر التكفيري، وشيوع التطرف وأعمال العنف، وحدوث شرح واسع في النسيج الاجتماعي للمجتمع الجنوبي، أثر بشكل واضح على تماسكه وطبيعة العلاقات بين أبنائه.

نحن اليوم بحاجة ماسة أكثر من أي وقت لترميم ثقافة التسامح والاعتدال في مجتمعنا، التي تأثرت نتيجة إثارة الخلافات البينية (قبلية ومذهبية وجهوية)، بفعل سياسات متعمدة تنتهجها قوى الشمال (قبلية ودينية) تجاه الجنوب، كما نتمنى أن تدرس مختلف علوم الشريعة في إطار التعليم الحكومي النظامي، لتخريج المتخصصين وفق الحاجة، من خلال التعليم العام والجامعات الحكومية، والتخلص من الفجوة التعليمية، التي يصنعها التعليم غير الحكومي.