من يحمي قراراتك يا رئيس؟
تفاءل الشعب اليمني عامة، وأبناء المناطق المحررة خاصة، بالإجراءات الأخيرة التي اتخذها رئيس الحكومة أ. سالم بن بريك، والمتعلقة بتعافي العملة الوطنية مقابل العملات الأجنبية وما رافقها من خفض في أسعار مختلف المتطلبات المعيشية. هذه القرارات شكلت بصيص أمل للمواطنين الذين عانوا طويلاً من وضع معيشي كان ينذر بكارثة حقيقية، فجاءت كمنقذ من الوقوع فيها.
سيادة الرئيس بن بريك، الجميع يدرك نزاهتك، ويشهد لتاريخك الوظيفي طوال مسيرتك السابقة ، ومن ضمن الخطوات التي لاقت صدى واسعاً تلك التي أشعل شرارتها الصحفي فتحي بن لزرق بدعوة من محافظ البنك المركزي بعدن أحمد المعقبي، حين كشف عن وجود 147 مؤسسة حكومية لا تورد إيراداتها إلى البنك المركزي بعدن، بل تدير حسابات خاصة في بنوك تجارية ومنشآت مالية خاصة. هذه المعلومة صدمت الرأي العام وأثارت نقاشاً واسعاً لمعرفة مصير تلك الإيرادات.
لقد رافقت قراراتكم إجراءات سريعة من الأجهزة الأمنية والرقابية التي تحركت إلى الميدان خلال أقل من 24 ساعة، فأغلقت محلات تجارية ومنشآت صرافة مخالفة، عندها شعر المواطنون بأن هيبة الدولة قد عادت، واستبشروا بأن القادم سيكون أفضل.
لكن هذا التفاؤل سيادة الرئيس ما زال منقوصاً فالواقع يكشف أن مرتبات الموظفين المدنيين والعسكريين متأخرة لثلاثة أشهر متتالية، على الرغم من هزالها وعدم شمولها بأي إصلاح في الأجور أو انتظام في الصرف ، لا يوجد أي مبرر لهذا التأخير، لأن تنفيذ قراركم بشأن توريد إيرادات المؤسسات الـ147 إلى البنك المركزي كفيل بتأمين الرواتب بموعدها المحدد.
السؤال الذي يطرحه الجميع اليوم:
هل تم فعلاً إلزام تلك المؤسسات بتوريد إيراداتها إلى خزينة الدولة (البنك المركزي بعدن) أم لا؟
الجواب الذي يفرضه الواقع هو لا. فأغلب تلك المؤسسات ـ إن لم يكن جميعها ـ لم تورد ريالاً واحداً منذ صدور القرار وحتى اللحظة ،ولو حدث ذلك لما تأخرت الرواتب يوماً واحداً.
الإشكالية الأعمق تكمن في أن آلية التنفيذ هذه المرة تصطدم بمتنفذين: محافظين، مدراء عموم، قيادات عسكرية ومدنية، وشخصيات تعتبر الإيرادات “حقاً مكتسباً” لها ،هؤلاء لديهم القوة والغطاء الذي يحميهم، وهم يرون في التوريد إدانة تكشف ما جمعوه طوال السنوات العشر الماضية.
يضاف إلى ذلك ملف آخر معقد يتمثل في مبالغ الإعاشة للراقدين في الخارج، والتي تُصرف لأشخاص جرى تعيينهم عبر الولاءات لا عبر الكفاءة ، هؤلاء جزء من دوائرك السياسية، ومن الطبيعي أن يقاوموا أي إصلاح اقتصادي حقيقي يهدد امتيازاتهم.
سيادة الرئيس بن بريك، أنت اليوم تخوض معركة شرسة مع قوى نافذة، والمفارقة أن من يُفترض بهم تنفيذ قراراتك هم جزء من المشكلة ذاتها.
القرارات وحدها لا تكفي، بل تحتاج إلى حامِ حقيقي ، ضع الشعب في موقع الشريك لا المتفرج، ودع المواطنين يكونون السند والحامي لإصلاحاتك ، فالقوة الشعبية هي الدرع الوحيد القادر على حماية القرار وكسر نفوذ من يعيقونه.