فيلم ناجي العلي بين الحقيقة والتزوير!

تابعت منذ فترة ليست بالقصيرة الفيلم الذي عرض في تسعينيات القرن الماضي، تقريبا في العام 1992م  استعرض الفيلم حياة ونضال ولحظة استشهاد المغدور به، رسام الكاريكاتير العربي الفلسطيني الأشهر ، الشهيد ناجي العلي- رحمه الله - والذي حمل اسمه  (ناجي العلي) 
قام ببطولة الفيلم الفنان نور الشريف -رحمه الله- مع كوكبة من نجوم الدراما العربية وساهم الشريف في إنتاجه بالشراكة مع شركة (NB) ومجلة (فن) المصرية.
 الفيلم من تأليف الكاتب والسيناريت القدير بشير الديك وتوقيع عاطف الطيب إخراجا،
وخلال الفترة التي سبقت عرضه حورب الفيلم  وقتها بشدة، وشُنَّ ضده هجوم ممنهج من عدد كبير من الصحف المصرية، بسبب رسومات ناجي العلي التي وصفت بالمسيئة لمصر ، بينما انتقد فيها ناجي الموقف السياسي لمصر من اتفاقية (كامب ديفيد) من خلال رسمة جسدت الأهرمات الثلاثة، تحتضنها أرضية متشققة، في إشارة إلى  القحط واليباس تتوسطها نجمة داوود،، بالإضافة إلى دور الفنان محمود الجندي في الفيلم ، حيث جسد دور البوهيمي والسكير، كما أنه الشخصية الوحيدة، التي ظهرت في الفيلم تتحدث باللهجة المصرية، ويسأل الجندي نور الشريف ( ناجي العلي) 
عندما اجتاحت إسرائيل لبنان،
 ـ هي إمتى حتيجي الجيوش العربية؟
فيرد عليه ناجي : الجيوش العربية مش فاضية!
مما اعتبره البعض إساءة لمصر.- أقصد الشخصية التي أداها الفنان  الجندي-
وقد سعى رئيس منظمة التحرير الفلسطينية ياسر عرفات وقتها، إلى محاولة إقناع الحكومة المصرية لمنع عرض الفيلم ،كسعيه إلى إقناع حكومة الكويت لطرد الفنان ناجي العلي من أرض الكويت، عندما كان يعمل رسامًا للكاريكاتير  في جريدة القبس الكويتية آنذاك، فسعى مجددًا إلى منع عرض الفيلم في مهرجان القاهرة السينمائي، فقط لأنه يحكي سيرة الرسام العلي، لكن الفيلم عرض بعد تكليف الرئيس مبارك -رحمه الله- أسامة الباز بالاطلاع عليه، وبعد أن أكد الباز وقتها أن الفيلم ليس فيه مايسيء لأي حكومة أو جهة أو مؤسسة بعينها، حتى يتم منعه من العرض.

بالنسبة لي أعدت مشاهدة الفيلم أكثر من مرة، فيلم بديع حقا، لكن ثمة بعض الملاحظات، لا أدري كيف مرت على الرقابة إن كانت ثمة رقابة حقا؛
ولاأدري أيضا ماذا أسميها: إساءة، أم تحريفا، أم تزويرا للحقائق أم تشويها لكبار رموز المقاومة، والأدب الفلسطيني مثل غسان كنفاني..
فمثلا في أحد مشاهد الفيلم، 
يظهر غسان كنفاني مارًّا بسيارته، فيستوقف الصحفية سعاد خطيبته السابقة، كما ذكر الفيلم ، مع ناجي وهما يمشيان في أحد شوارع بيروت، أو صيدا، لاأذكر بالتحديد، ويسألها عن ناجي العلي، من هو؟
فهل  يعقل أن غسان كنفاني لايعرف ناجي العلي، وهو الذي اكتشفه عندما كان رساما مغمورا في مخيم (عين الحلوة)، ونشر بعض لوحاته في جريدة الحرية، التي يرأس تحريرها ،وهما بهذا العمر وشعر ناجي قد صار أبيض؟
والأدهى من ذلك عندما سأل ناجي زميلته الصحفية، عمن هو غسان ؟ فترد :  هذا شاعر سابق، وصحفي سابق، ومناضل سابق، وتاجر سلاح حاليا ؟!!
وفي الواقع لم يكن كنفاني شاعرا وإنما كان صحفيا وأديبا وليس بشاعر كما زعمت
لكن من أين أتى المؤلف بموضوع ( تاجر الأسلحة)، وهنا تنفتح الجملة على العديد من علامات الاستفهام !
وفي مشهد آخر، كانت الصحفية تصور جنود الاحتلال وهم يعتقلون أحد شباب المقاومة، ويوقعون أمه الأرض بعنف وعنجهية، وهي تحاول حمايته ومنعهم من اعتقاله،وعندما يلحظ أحد الجنود هذه الصحفية وهي ترصد فعلتهم بكاميرتها يطاردونها ويعتدون عليها، ويكسرون كاميرتها ويسقطونها أرضا، يحدث كل ذلك أمام عين ناجي العلي وهو لايحرك ساكنا! ويقف،موقف المتفرج، والمعروف أن ناجي
 (دمه حامي) ولا يقبل بما جسده المشهد دون أن ينقذ زميلته المقربة أو يدافع عنها، أو يقبل بإهانة أم مسنة أمامه ، فهل يعقل أن يكون ناجي كما صوره هذا المشهد من الفيلم؟

وفي أحد المشاهد ،يتناقش أحدهم مع زوجة ناجي العلي، عند إخراج الجثة من المستشفى بوجود غسان كنفاني، والصحفية سعاد زميلة ناجي ،ويقترح الرجل عليها أن يدفن في لندن، فتعترض الصحفية، وتؤكد أن ناجي أوصى أن يدفن في مخيم عين الحلوة بلبنان، حيث عاش طفولته وشبابه هناك، بينما يؤيد كنفاني اقتراح الدفن في لندن فتحتد الصحفية وترد : شو دخلك، حتى وهو ميت مخوفكن، ويبرر لها غسان: أنا صديق محمود الذي هو صديق ناجي، وبالتالي أكون صديق العائلة، وأعتقد أنه يقصد الشاعر (محمود درويش ).
والسؤال الذي يقفز هنا، 
ـ هل يعقل أن يكون هناك وسيط أو صديق مشترك، ليكون غسان صديق ناجي وصديق العائلة،كما ورد في الفيلم.

وختاما استشهد ناجي العلي برصاصة الغدر التي اخترقت صدغه أسفل العين ومن خلف راسه، ولم يواجهه القاتل من الأمام ،
وذلك بشهادة أصدقاء ناجي ممن شهدوا الحادثة وليس كما جاء في الفيلم .