محادثات جنيف المحتملة تثير انقسامات ضمن صفوف الجيش السوداني

محادثات جنيف المحتملة تثير انقسامات ضمن صفوف الجيش السوداني

أربك الحلفاء العسكريون للجيش السوداني المشهد في البلاد، بعد مطالبتهم بإشراكهم في محادثات وقف إطلاق النار الشهر المقبل في سويسرا، قائلين إن تقديم الدعوة للجيش وحده أمر مرفوض جملة وتفصيلًا. 

 

وتشمل قائمة هؤلاء الحلفاء الحركات المسلحة التي تنضوي تحت حلف "القوة المشتركة" وتقاتل إلى جانب الجيش السوداني ضد قوات الدعم السريع، على رأسها حركة تحرير السودان بقيادة حاكم مني أركو مناوي، وحركة العدل والمساواة برئاسة وزير المالية جبريل إبراهيم.

 

وقالت حركة تحرير السودان بقيادة مني مناوي في بيان، إن تقديم وزارة الخارجية الأمريكية الدعوة للجيش السوداني فقط، أمر مرفوض بالجملة والتفصيل، ويعني من الآن أن الدعوة إلى لقاء جنيف لن تفضي إلى شيء.

 

وطالبت الحركة، الخارجية الأمريكية بالإسراع في توجيه الدعوة إليها، وإلا فإن اللقاء المرتقب لن يكون سوى ممارسة لبروتوكولات لا تسمن ولا تغني من جوع وتضيف إلى كم المبادرات التي طرحت وستطرح فشلًا جديدًا، وفق البيان.

 

"شطحة"

وفي أول تعليق على بيان حركة مناوي، انتقد حليف الآخر، مبارك الفاضل، الذي يطالب بإشراك الحركات المسلحة في محادثات جنيف ووصفه بـ"الشطحة"، ما يدل على بدء أولى التصدعات داخل معسكر الجيش السوداني. 

 

وأضاف أن "موقف الحركات المسلحة المطالب بالمشاركة في مفاوضات جنيف موقف غير صحيح، فهم مدمجون في الجيش وتمثلهم القوات المسلحة".

 

وأوضح أن "مني أركو مناوي حاليًا حاكم إقليم دارفور وله وضع دستوري فكيف له أن يطالب بمقعد إلى جانب حكومة السودان أو إلى جانب مؤسسة الجيش السوداني، هذا خطأ كبير"، وفق قوله.

 

ودعا الفاضل الحركات المسلحة إلى توفيق أوضاعها سياسيًا وأن تتعامل كقوى سياسية، مبينًا "لن نقبل أي بندقية عند أي جهة غير الجهة الدستورية المخول لها بحمل السلاح".

 

من أجل المكاسب

وعدّ القيادي بحزب الأمة القومي، مطالب حلفاء الجيش السوداني بإدراجهم في مفاوضات جنيف، بأنها "لهث خلف الحفاظ على المكاسب والمناصب التي استحوذوا عليها". 

 

وأوضح لـ"إرم نيوز"، "أن دوافعهم في ذلك سلطوية ولو كان الأمر إنسانيًا لطالبوا بتضمينهم داخل مباحثات جنيف أو جدة الإنسانية التي عقدتا سابقًا، وليس واضحًا في هذه المرحلة تحديدًا ما إذا كانت هذه المطالب ستعيق محادثات جنيف المقبلة أم لا، لأن الإدارة الأمريكية لم تعلق إلى الآن على تحفظات ومخاوف الأطراف".

 

وأشار إلى أن المطالب من شأنها أن تؤدي إلى تعقيد الوضع داخليًا اعتمادًا على كيفية استجابة أصحاب المصلحة الآخرين للطلب، موضحًا أن مناوي تحالف مع الجيش ويعتقد أنه يستحق أن يكافأ باستصحابه في مراحل السلام كلها ما دام كان مشاركًا في الحرب.

 

وذكر أن تأثير الموقف على المحادثات المقبلة يعتمد على كيفية تعامل جميع الأطراف الميسرة والراعية للتفاوض، متوقعًا أن يؤدي إلى عرقلة المفاوضات بل حتى انقسام داخل معسكر الجيش السوداني وحلفائه.

 

وأضاف "انتظمت حملات ينشط فيها مناصرو الجيش يطالبونه بعدم الذهاب للتفاوض والتمسك بالحسم العسكري، وهو ما يؤخر إلى الآن الإعلان الرسمي لموقف الجيش من التفاوض، والذي يتذرع بأن تكون الدعوة لحكومة السودان".

 

وشدد المتحدث على "أن التصدع في معسكر الحرب، قد بلغ ذروته وفاقت درجة الاستقطاب والاصطفاف داخله كل توقع، مشيرًا إلى وجود فاعلين جدد في مكتب البرهان وعناصر مؤثرة في قيادة الجيش، باتوا يشككون علنًا في نياته ويسيئون إليه وبعضهم مضى إلى التهديد والوعيد للرجل، وفق قوله.

 

ليس لها مبرر

ووصف المحلل السياسي، علي الدالي، مطالب الحركات المسلحة بإشراكها في محادثات جنيف المقبلة بأنها "لا مبرر لها"، موضحًا أنها جزء من سلطة الأمر الواقع وأن الجيش السوداني يمثلها في أي محادثات للسلام. 

 

وقال الدالي لـ"إرم نيوز" إنه "لا يتوقع أن تعرقل الحركات المسلحة المحادثات المقبلة لأن الحركات لديها اتفاق منفصل مع الجيش هو اتفاق جوبا، الذي بموجبه توجد كجزء من السلطة الحالية، إذ لا تزال تحتفظ بنصيبها في السلطة والثروة ولديها بند ترتيبات أمنية مع الجيش السوداني وهو السبب الرئيس الذي جعلها تنحاز له والمشاركة معه في القتال ضد قوات الدعم السريع".

 

وأضاف أن "الحركات المسلحة ليس لها مبرر في المطالبة بأن تكون جزءًا من محادثات جنيف المقبلة لوقف إطلاق النار، لأن لديها أجسامًا سياسية تتحرك وتشارك الآن في اللقاءات المعنية بالحل السياسي".

 

واستطرد "يمكن استصحابها في المسار السياسي الذي يرسم ملامح الفترة الانتقالية المقبلة، ومصير الحكم، أما المسار العسكري والترتيبات الأمنية فلديها اتفاق جوبا الذي جعلها جزءًا من السلطة وحينما يذهب الجيش إلى جنيف ممثلًا للسلطة القائمة بالضرورة يكون ممثلًا للحركات المسلحة". 

 

وعدّ الدالي أن حديث مناوي المطالب بإشراك الحركات المسلحة في محادثات جنيف المقبلة، "ورقة ضغط ورسالة للجيش بزيادة حصته في وفد السلطة الذي ينتظر أن يذهب إلى التفاوض مع قوات الدعم السريع في سويسرا".

 

وتشارك الحركات المسلحة في السلطة وفق "اتفاق جوبا" لسلام السودان الموقع مع الحكومة الانتقالية في أكتوبر/ تشرين الأول 2020، وظلت في مواقعها بالسلطة عقب الانقلاب على الحكومة المدنية في 2021، كما حافظت على مناصبها بعد اندلاع الحرب في أبريل/ نيسان 2023.

 

تصدع معسكر الجيش

وقلل المحلل السياسي، علاء الدين بابكر، من عرقلة موقف الحركات المسلحة لمحادثات جنيف المقبلة، ولكنه اعتبر موقفها مؤشرًا للتصدع داخل معسكر الجيش السوداني. 

 

وأضاف بابكر لـ"إرم نيوز"، أن موقف الحركات المسلحة من محادثات جنيف يُظهر زيف الشعارات التي بررت بها موقفها من خوض الحرب، إذ قالت وقتها إنها انحازت للجيش لأنه يمثل الدولة، بينما كانت تعمل للمحافظة على مصالحها وعرقلة الانتقال المدني الديمقراطي، وفق قوله.

 

وحذر من أن الخطوة قد تفتح الباب أمام الميليشيات كلها التي تقاتل مع الجيش السوداني للمطالبة بإشراكها في محادثات جنيف، مشيرًا إلى أن الصراع بين قوتين عسكريتين وأن التفاوض سيكون بينهما وفق ما نصت عليه الوثائق كلها التي وقعت في منبري جدة والمنامة.