الرحمة في الأسواق: عدل يحيي القلوب ويبارك الأرزاق
في زحمة الحياة وتقلّبات الأسواق؛ حيث يتصارع التجار على الأرباح، ويبحث المشتري عن لقمة ميسّرة، جاء الإسلام بمنظومة فريدة تنظّم البيع والشراء وتربط التجارة بالرحمة والعدل. فلم تترك الشريعة السوق غابة للأقوياء؛ بل جعلته ميدانا للإنصاف والإحسان، ومصدرا لبركة الأرزاق ونزول الرحمة.
الحكمة من نهي النبي ﷺ عن ممارسات تُفسد السوق ـ مثل استباق الركب وشراء البضائع من أصحابها قبل أن يعرفوا أسعارها ـ واضحة: حماية الضعيف من الاستغلال، ومنع احتكار الأقوياء، وتحقيق العدالة بين البائع والمشتري. إنّها رحمة إلهية وتشريع نبوي كريم، يضع الإنسان فوق المال، ويربط الربح بالأمانة.
ولذلك قال عمر بن الخطاب رضي الله عنه كلمة تصلح دستوراً للتجارة: «لا يبيع في سوقنا إلا من تفقه في دينه، وإلا أكل الربا شاء أم أبى»؛ فالتاجر الجاهل بالأحكام معرض لأن يظلم أو يُظلم، والسوق لا يقوم إلا على العدل والعلم.
ومن رحمة الإسلام أنّه لم يجعل التجارة مجرّد أرقام وأرباح؛ بل جسرا للتراحم بين الناس. قال رسول الله ﷺ: «رحم الله رجلا سمحا إذا باع، وإذا اشترى، وإذا اقتضى»، فالسماحة في البيع ليست فقط خُلُقاومحمودا؛ بل سبب في رحمة الله ونزول البركة.
إن القيم التي جاء بها الإسلام للأسواق ليست قيودا على التجارة؛ بل هي ضمان لحيويتها، وحماية من الفوضى والجشع، وصيانة لحقوق البسطاء قبل الأقوياء. فالتجارة حين تقوم على السماحة، تزرع المودة في القلوب، وتجعل الأسواق مصدر استقرار لا صراع، ورزق حلال لا استغلال.
ولذلك كان من حكمة القرآن أن يفضح المطففين، الذين يأخذون حقوق الناس كاملة ويُضيّعون ما عليهم، فقال تعالى:
﴿وَيْلٌ لِّلْمُطَفِّفِينَ * الَّذِينَ إِذَا اكْتَالُوا عَلَى النَّاسِ يَسْتَوْفُونَ * وَإِذَا كَالُوهُمْ أَو وَّزَنُوهُمْ يُخْسِرُونَ﴾.
إنها رسالة بليغة لكل زمان: السوق ليس مكانا للغش؛ بل ساحة للعدل، وفضاء تنزل فيه الرحمة إذا سادت السماحة.
فليكن شعارنا في الأسواق: ربح مع عدل، تجارة مع رحمة، وكسبٌ حلالٌ مبارك.
ودمتم سالمين!