رسالة تحذيرية لمزارعي الموز بدلتا أبين

بقلم: حسن الكنزلي


في أعالي دلتا أبين الخضراء؛ حيث تمتد مزارع الموز كأحزمة ذهبية على ضفاف قنوات الري؛ يحرص المزارعون على ريّ أراضيهم بكثافة، حتى لا تجف التربة لحظة واحدة. في مشهد قد يبدو لأول وهلة دليلا على الحرص والاهتمام؛ لكنه في الحقيقة يخبئ وراءه مخاطر صامتة تهدد التربة والمحصول نفسه.

نعم الموز هو نبات محب للماء، يحتاج إلى رطوبة شبه دائمة لينمو ويعطي ثماراً وافرة! غير أن الفرق شاسع بين التربة الرطبة والتربة الغارقة. فكما يحتاج الإنسان إلى الهواء مع الماء؛ تحتاج جذر الموز إلى الأكسجين مع الرطوبة. وإذا غمرت المياه التربة باستمرار:
- انقطعت أنفاس الجذور
- وماتت الشعيرات الجذرية
- وانتشرت الأمراض الفطرية كالنار في الهشيم.

لقد سجلت مشاهدات ميدانية أن بعض الأراضي المجاورة لمزارع الموز، والتي لا تُزرع إلا موسميا، بدأت تظهر عليها آثار الرطوبة على السطح دون أن تُروى. إنها ليست بركة خير كما يظن البعض؛ بل علامة خطر واضحة: ارتفاع منسوب الماء الأرضي. وهذا يعني أن التربة دخلت مرحلة "التغدق"، وهي بداية مسار طويل نحو فقدان خصوبتها، ثم تملحها، ثم موتها البطيء.

والخطأ في الاعتقاد أن "الموز لا يشبع من الماء"، ومن ثم الإغراق المستمر دون حساب. بينما الحقيقة أن الموز يحتاج إلى ري منتظم ومدروس، يحافظ على التربة رطبة من الداخل، لا غارقة من كل جانب.

والخلاصة أن للري المفرط سلبيات؛ منها:
- اختناق الجذور وضعف المحصول.
- انتشار أمراض خطيرة كتعفن الجذور وفطر "الفيوزاريوم".
- فقدان العناصر الغذائية التي تُغسل مع المياه العميقة.
- تدهور التربة وتهديد مستقبل المزارع نفسه.

ليس المطلوب تقليل المياه عن الموز؛ بل إدارة ذكية للمياه. والحلول متاحة وقابلة للتطبيق، وهي:
- جدولة الري وفقا لمراحل نمو النبات، مع الاعتماد على قياس رطوبة التربة، ولو بالطرق البسيطة مثل "اختبار قبضة التربة".
- التحول التدريجي من الغمر العشوائي إلى نظم حديثة كالري بالتنقيط أو الرش، فهي توفر الماء وتزيد الإنتاجية.
- إنشاء قنوات ومصارف لتصريف المياه الزائدة وخفض منسوب الماء الأرضي.
- التسميد المتوازن مع الري لتعويض العناصر التي تفقدها التربة مع الغسل.
- التثقيف الزراعي للمزارعين عبر الجمعيات والجهات المعنية، فالمعرفة نصف الحل.

أيها المزارعون الأعزاء في دلتا أبين، إن حرصكم على مزارعكم ومصدر رزقكم مفهوم ومقدر؛ لكن الحرص غير الواعي قد يتحول إلى سيف ذو حدين. فالماء الذي تعتقدون أنه سر الحياة قد يكون سبب التدهور إن لم يُحسن استخدامه.

إن التربة كالكائن الحي؛ تحتاج إلى التوازن، إلى الشرب والتنفس معا. والموز كطفل مدلل، يحتاج إلى عناية دقيقة؛ لا إلى إغراق مفرط. إذا واصلنا الطريق الحالي، فإننا سنشهد بعد سنوات قليلة أراضي متدهورة، وإنتاجا ضعيفا، وخسائر لا تُعوض. وربما الفأس قد وقع في الرأس لدى البعض!

فلنحافظ على ذهب أبين الأصفر؛ قبل أن يتحول إلى عبء! ولنكن على وعي أن الزراعة ليست مجرد ريّ وسقي؛ بل علم وإدارة وحكمة!
دامت أراضينا عامرة بالخضرة والوفرة!
ودمتم سالمين!