د.سالي فودة: البيوتشار.. وقود التحول نحو زراعة منخفضة الانبعاثات

د.سالي فودة: البيوتشار.. وقود التحول نحو زراعة منخفضة الانبعاثات

(أبين الآن) خاص

في ظل التحديات العالمية المرتبطة بتغير المناخ والاحتباس الحراري، أصبح من الضروري البحث عن حلول مبتكرة للحد من الانبعاثات الكربونية وتحسين كفاءة استخدام الموارد الزراعية.

ويُعد البيوتشار (Biochar) أحد أبرز الابتكارات البيئية الحديثة، إذ يسهم في احتجاز الكربون داخل التربة، وتحسين خصائصها الفيزيائية والكيميائية، مما يجعله خطوة محورية نحو تحقيق الزراعة المستدامة وتقليل البصمة الكربونية للقطاع الزراعي.

 

 مفهوم البيوتشار وعلاقته بالبصمة الكربونية

 

البيوتشار هو منتج صلب كربوني يتم الحصول عليه من خلال التحلل الحراري (Pyrolysis) للكتلة الحيوية الزراعية في بيئة منخفضة الأوكسجين.

من الناحية الكربونية، يتيح البيوتشار تحويل الكربون العضوي الموجود في المخلفات الزراعية إلى صورة مستقرة غير قابلة للتحلل السريع، مما يمنع انطلاق ثاني أكسيد الكربون إلى الغلاف الجوي.

وبالتالي، فإن كل طن من الكتلة الحيوية التي تُحوَّل إلى بيوتشـار يمثل خزانًا طويل الأمد للكربون داخل التربة، وهو ما ينعكس إيجابًا على خفض البصمة الكربونية للمزارع والمجتمعات الريفية.

 

التطبيقات العملية والدراسات السابقة

 

تحسين خصوبة التربة وزيادة الإنتاجية

 

أظهرت دراسات عديدة، مثل دراسة Lehmann et al., 2015، أن إضافة البيوتشار إلى التربة الرملية أو الفقيرة بالمادة العضوية يؤدي إلى زيادة السعة التبادلية الكاتيونية (CEC)، وتحسين قدرة التربة على الاحتفاظ بالمياه والعناصر الغذائية، مما انعكس على زيادة إنتاج المحاصيل بنسبة تراوحت بين 10–30% في بعض التجارب الميدانية.

 

تثبيت الكربون طويل الأمد

 

في تجربة أُجريت في اليابان (Kawamoto et al., 2019)، وُجد أن 70–80% من الكربون الموجود في البيوتشار يبقى في التربة لأكثر من 100 عام.

وبذلك يُعد البيوتشار أداة فعالة في برامج احتجاز الكربون (Carbon Sequestration)، مما يتيح للمزارعين الحصول على اعتمادات كربونية (Carbon Credits) ضمن آليات التمويل المناخي.

 

خفض انبعاثات غازات الدفيئة

 

أثبتت دراسة في الصين (Zhang et al., 2020) أن استخدام البيوتشار مع الأسمدة العضوية قلل من انبعاثات أكسيد النيتروز (N₂O) بنسبة وصلت إلى 50%، وهو غاز ذو تأثير احتباسي يعادل نحو 300 مرة تأثير ثاني أكسيد الكربون.

وهذا يعزز فكرة أن البيوتشار ليس مجرد منتج للتربة، بل أداة استراتيجية لتقليل الغازات الدفيئة.

 

إدارة المخلفات الزراعية

 

تم تطبيق البيوتشار بنجاح في برامج إدارة المخلفات، مثل استخدام قش الأرز وقش القمح ونوى الزيتون في مصر، مما ساعد في الحد من ظاهرة السحابة السوداء الناتجة عن الحرق المكشوف، وتحويل تلك المخلفات إلى منتجات ذات قيمة اقتصادية عالية.

 

التطبيقات البيئية والصناعية

 

توسعت استخدامات البيوتشار مؤخرًا لتشمل:

 

معالجة المياه الملوثة عبر الامتزاز (Adsorption) للملوثات.

 

تحسين نمو النباتات في المناطق الجافة.

 

صناعة مواد البناء منخفضة الكربون عند دمجه مع الأسمنت أو الطوب.

 

الجدوى الاقتصادية والبيئية

 

تُظهر التحليلات الاقتصادية أن مشاريع إنتاج البيوتشار تحقق عائدًا مزدوجًا:

 

ربح مباشر من بيع المنتج في الأسواق الزراعية أو البيئية.

 

قيمة بيئية مضافة من خلال المشاركة في أسواق الكربون، وتحسين استدامة النظم الزراعية.

 

كما أن تكلفة إنتاج الطن من البيوتشار تتناقص مع تطوير وحدات التحلل الحراري المحلية (مثل وحدات Technochar)، مما يجعل هذه التكنولوجيا مناسبة للمزارعين الصغار في الدول النامية.

 

التحول نحو زراعة منخفضة الانبعاثات

 

يمثل البيوتشار ركيزة أساسية في التحول نحو زراعة منخفضة الانبعاثات، ووسيلة عملية لتحقيق أهداف التنمية المستدامة المتعلقة بالمناخ (SDG 13) والاستهلاك والإنتاج المسؤول (SDG 12).

إن دمج البيوتشار في استراتيجيات الزراعة الذكية مناخيًا يعزز قدرة النظم الزراعية على مواجهة التغير المناخي، ويحول المخلفات الزراعية من عبء بيئي إلى ثروة كربونية خضراء.