بلاد الأربع العجائب
بقلم /نائلة هاشم
في بلاد الأربع العجائب، لا تحتاج إلى قصص أسطورية لتشاهد العجب، يكفي أن تفتح نافذتك كل صباح
ترى الموظف متجها إلى عمله بابتسامة باهتة، يحمل في جيبه بطاقة الحضور، لا الراتب.
يدخل المكتب في موعده وكأن الزمن لم يتوقف، وكأن الكرامة تقاس بعدد الأيام لا بعدد الريالات.
ترى المعلم يمسك بيده قلما متعبا، ودفاتر تلاميذ قد لا يجدون ثمن وجبة الإفطار.
يشرح الدرس بإخلاص وكأنه يعلم الأمل لا الحروف، يزرع في عيون طلابه وعدا بمستقبل أفضل، رغم أن الواقع يزرع في طريقه شوك الحاجة.
في بلاد الأربع العجائب، ترى الحمار يسير بخطى ثابتة، يحمل فوق ظهره الماء من بعيد، لأن أنابيب المدينة فقدت صوتها، ولأن مشاريع الخدمات أصبحت حكايات تروى في الاجتماعات.
ورغم كل ذلك، لا تزال البيوت تضاء ليس بالكهرباء بل بالصبر، بالتعاون، وبقناعة أن “الغد ربما يكون أجمل”
تصل فاتورة الكهرباء، فتجد من يسددها في موعدها، لا لأنه قادر، بل لأنه لا يريد أن يخسر ما تبقى من النظام وسط الفوضى.
تتعجب من انضباط المواطن في بلاد غابت فيها مؤسسات الانضباط، وتنبهر من التزامه في وطن تأخرت فيه الحقوق لكنه مازال يقدس الواجب.
بلادنا ليست فقيرة بالمال فقط، بل مثقلة بالعجائب:
كيف يظل هذا الشعب متماسكا رغم الانقطاع؟
كيف يبتسم في وجه الألم؟
كيف يسير في طريق مظلم وهو يحمل في قلبه ضوءا لا ينطفئ؟
إنها بلاد الأربع العجائب
بلاد لم تخترع فيها الكهرباء الدائمة، لكنها اخترعت الصبر.
لم تبن فيها الأبراج الزجاجية، لكنها شيدت قلوبا من ذهب.
ولم تكتب فيها قصص الخيال، لأن الواقع
فيها أغرب من الخيال.
أتعلمون عن أي أرض
إتحدت ؟عن أي شعب اتحدت ؟