تحوّل الرسم إلى عبء: خطأ تربوي يسرق طفولة أبنائنا

بقلم: حسن الكنزلي


في الصفوف الأولى من المرحلة الابتدائية؛ حين تُفتح نوافذ الفهم الأولى، ويبدأ العقل الصغير في اكتشاف الأرقام والحروف والألوان، يفترض أن يكون التعلم رحلة ممتعة، سهلة، وهادئة؛ لكن ما يجري في بعض مدارسنا تحوّل هذه الرحلة البريئة إلى مهمة شاقة تكسر رغبة التعلم وتربك الأسرة وتحمّل الطفل ما لا يحتمل!

الكتب المدرسية وُضعت فيها الصور الإيضاحية – كالتفاحات، والأشكال الهندسية، والهيكل العظمي – لتُقرّب الفكرة إلى عقل الطفل، وتساعده على فهم الجمع والطرح، أو التعرف على أعضاء الجسم.
غير أنّ كثيرا من المعلمين – بحسن نية أو بقصور في التدريب – حولوا هذه الصورة من وسيلة إلى واجب رسومي، يجب على الطفل نقله إلى دفتره، وكأن المطلوب هو إتقان فن الرسم لا فهم الدرس.

فنجد الطفل في البيت:
- يكدّ نفسه في رسم خمس تفاحات بدل التركيز على مفهوم “العدد خمسة”.
- يحمل همّا أكبر من طاقته عندما يُطلب منه رسم هيكل عظمي لا يستطيع رسّام محترف محاكاته.
- وتتحول الحصة المدرسية إلى سباق مع الزمن لرسم؛ لا لتعلّم.

الطفل في سنّ السادسة أو السابعة ما يزال يطوّر مهاراته الحركية الدقيقة، ويكافح ليكتب سطرا مستقيما؛ فكيف نطالبه برسم أشكال معقدة وهو لم يثبت بعد مسكة القلم؟! إنها مهمة تفوق قدرته النمائية، وتخالف أبسط مبادئ التربية الحديثة التي تراعي مراحل النمو العقلي والحركي.

من ناحية أخرى؛ تكشف هذه الظاهرة عن قصور واضح في تكوين بعض المعلمين في مجال طرائق التدريس، وعن قراءة غير ناضجة لمعنى الوسيلة التعليمية ودورها؛ فالوسيلة خُلقت لتسهيل التعلم؛ لا لزيادة العبء.

وتصل المشكلة إلى البيت، فتبدأ المعاناة؛ بكاء الأطفال، صراخ الأهالي، استعانة بالصديق أو الجار، وربما دفع المال لمن يرسم الواجب بدل الطفل!

وهكذا تتحول الأمسيات العائلية من مساحة دفء وراحة إلى جلسات إجبارية لـ“إنقاذ الدفتر”؛ بدل تنمية الفهم أو غرس حب التعلم.

هذا التكليف الخاطئ لا يرهق يد الطفل فحسب؛ بل:
- يرهق قلبه وعقله أيضا
- يقلل من دافعيته للتعلم.
- ويجعله يشعر بالعجز والفشل.
- ويربط المدرسة بمشاعر سلبية.
- ويهدر وقتا يمكن أن يُستثمر في فهم الدرس حقا.

إننا بهذا السلوك - من حيث لا نشعر- نطفئ شرارة الفضول، ونضع حجرا في طريق الاكتشاف.

والحل ليس معقدا؛ بل يكمن في الفهم الصحيح لوظيفة الوسيلة التعليمية.
فالطفل يحتاج إلى:
- صور جاهزة وواضحة في كتابه.
- ألعاب تعليمية يمسكها بيده.
- أدوات رقمية تعينه على الفهم.
- ووقت صاف للتفكير؛ لا للرسم.

أما المعلم؛ فيحتاج إلى:
- تدريب مهني حقيقي
- ووعي تربوي يحدد الهدف
- وإدراك أن جودة التعليم ليست في “امتلاء الدفتر”؛ بل في “امتلاء العقل”.

ختامًا؛ لنردّ للطفولة حقها؛ فالتعليم رسالة، والطفل أمانة، والوسيلة التعليمية جسر يصل الفكرة إلى عقول الصغار؛ لا حائطا نحمله على ظهورهم.
دعونا نعيد النظر! دعونا نترك للأطفال ما يُشبه أعمارهم! دعونا نعيد للصفّ بهجته، وللدروس معناها، وللطفولة بساطتها.
فالعقل الذي نحمله إلى المستقبل، لا ينبغي أن نُثقله منذ بدايته بما ليس من حقه ولا من قدرته.
سدد الله خطانا وخطاكم، ودمتم سالمين!