حين يصبح العفاف وجعًا.. أمهات يبعن ملابسهن كي لا يجوع أطفالهن
لم يعد الحديث عن المعاناة ترفًا أو شكوى عابرة، بل صار واقعًا يعيشه الملايين، ينسج تفاصيله البؤس، وتكتبه الدموع على وجوه الأمهات اللواتي يخضن معركة البقاء بصمتٍ موجع.
في إحدى الحلقات من برنامج "طائر السعيدة"، الذي تبثه قناة السعيدة، أطلت الإعلامية مايا عبدالغفور العبسي، بمثل ما اعتادها المشاهدون، تحمل بين يديها قصصًا لم تعد غريبة على الواقع اليمني، لكنها تبقى صادمة في كل مرة، هذه المرة، كانت القصة أقسى مما يحتمله القلب، وأكثر إيلامًا مما تحتمله الأعين.
في فقرة "حقق حلمك مع لول"، كانت هناك امرأة، لاجئة في وطنها، منفصلة عن زوجٍ لم يترك لها سوى الألم وطفلة تحتاج إلى الحنان والطعام، لكن الحنان وحده لا يكفي حين تكون البطون خاوية، ولا يغني عن الخبز والدواء.
لم يكن لديها من يعينها، لا أهل يسندون ضعفها، ولا عمل تستند إليه، ولم يبق لها سوى جسدها المنهك وكرامتها التي تصارع الزمن كي لا تنكسر؛ لكنها، أمام شبح الجوع، وجدت نفسها مضطرة لأن تبيع ملابسها، ثوبًا بعد آخر، حقيبةً بعد أخرى، حتى تلك المعاطف التي كانت تقيها برد الشتاء، صارت اليوم بضاعة تسد بها رمق ابنتها.
تتنقل بين البقالات تستدين، من صيدلية إلى أخرى تلتمس الدواء بالدَّين، تعيش على الأمل بأن الغد قد يكون أكثر رحمة، لكن الغد في هذا الوطن لا يحمل سوى مزيد من القسوة.
الوضع المعيشي في اليمن بات كابوسًا لا ينتهي، ارتفاعٌ جنوني في الأسعار، غيابٌ شبه كامل لفرص العمل، اقتصادٌ ينهار يومًا بعد يوم، وأسرٌ تموت جوعًا في منازلها بصمتٍ لا يسمعه أحد.
فيما تنشغل الطبقة الحاكمة بمعاركها السياسية ومصالحها الضيقة، يزداد عدد الجوعى، ويتسع الفارق بين من يملكون كل شيء ومن لا يجدون لقمة تسد رمقهم.
أيها القادة، أيها التجار، أيها المسؤولون، أما آن لكم أن تنظروا إلى هؤلاء الذين يئنون تحت وطأة الحاجة؟ أما آن لكم أن تدركوا أن الحكم مسؤولية، وأن المال أمانة، وأن الله سيسائلكم عن كل جائعٍ لم يجد ما يأكله، وعن كل أمٍ بكت في الليل لأن طفلتها نامت بلا عشاء؟
أيها الجيران، لا تتركوهم يموتون بصمت، تفقدوا أحوالهم، لا تجعلوا وجودكم في هذه الدنيا عابرًا بلا أثر، فالإنسان لا يُعرف بثروته، بل بما يقدمه لمن حوله.
حين يصل الحال بامرأة عفيفة إلى أن تبيع ملابسها لتطعم ابنتها، وحين يصبح الدَّين من البقالة والصيدلية أسلوب حياة، وحين يموت الناس جوعًا في بيوتهم، فاعلموا أن المجتمع قد وصل إلى مرحلة الخطر، وأن الإنسانية في هذا الوطن باتت تحتضر.