تكريم عزيز وقعطبي.. عدن القاطرة المستمرة ورؤية الغد
في لحظات الوفاء الحقيقية، لا يُكرَّم الأشخاص لمناصب تقلّدوها أو لمواقع شغلوها، بل للقيم التي حملوها، وللرسالة التي ظلوا أوفياء لها عبر مسيرة حياتهم. هذا ما نلمسه اليوم في عدن، وهي تحتفي بتكريم علمين من أعلامها، الأستاذين الجليلين عبدالله محمد عزيز و أحمد محمد قعطبي، اللذين لم يمثّلا مجرد وزراء في حكومات متعاقبة، بل كانا امتدادًا حيًا لمسيرة جيل الآباء المؤسسين الذين صاغوا ملامح القضية الوطنية، ورسّخوا لعدن مكانتها المستحقة كقاطرة للنهضة والتنوير والمدنية في الجنوب واليمن، بل وفي عموم إقليم الجزيرة والخليج.
امتداد لجيل المؤسسين
لقد حمل جيل عبدالله عزيز وأحمد قعطبي شعلة الآباء الأوائل الذين جعلوا من عدن مختبرًا للتجربة الوطنية الحديثة، وميدانًا لتجسيد قيم الانفتاح والتعددية والعمل المؤسسي. لم تكن عدن مجرد مدينة ساحلية عابرة، بل نافذة اليمن إلى العالم، ورمزًا حيًا للتفاعل الثقافي والسياسي والاقتصادي، ومنها انطلقت الحركة الوطنية الحديثة بامتداداتها العربية والإقليمية.
عبدالله عزيز: رجل الرؤية الاقتصادية
الأستاذ عبدالله محمد عزيز، الذي تقلّد حقيبتي النقل والمواصلات والتجارة والصناعة، كان عنوانًا للرجل الذي يتجاوز حدود الإدارة اليومية إلى التفكير الاستراتيجي. أدرك منذ وقت مبكر أن الاقتصاد والبنية التحتية هما قاعدة الاستقلال الوطني، فربط بين التجارة والبحر والنقل بوصفها شرايين حياة، وطرح رؤية تجعل من عدن ميناءً عالميًا لا غنى عنه، بما يعزز مكانة اليمن في محيطه.
أحمد قعطبي: طاقة الشباب وعمران الوطن
أما الأستاذ أحمد محمد قعطبي، الذي تنقّل بين وزارات الشباب والرياضة والإسكان، ورئاسة المجلس الأعلى للرياضة، فقد حمل همّ الشباب باعتبارهم طاقة الأمة ومخزون مستقبلها. لم يكن مجرد إداري، بل كان صاحب مشروع يرى في الرياضة جسراً للسلام، وفي العمران عنوانًا للكرامة الإنسانية، وفي العمل المؤسسي أداة لبناء الإنسان قبل الحجر.
دروس للقادم من الأجيال
ما يجمع بين هذين الصديقين العزيزين ليس فقط المناصب التي شغلاها، بل القيم التي جسّداها: النزاهة، الالتزام، والتواضع. لقد أثبتا أن المسؤولية تكليف لا مغنم، وأن الوطنية لا تُقاس بالشعارات بل بخدمة الناس والوفاء لمصالحهم. وبهما وبجيلهما، حافظت عدن على إرثها العريق كمدينة تقود ولا تُقاد، وتلهم ولا تقتبس، وتُقدّم للأمة نماذج مشرقة من الرجال الذين جمعوا بين الفكر والعمل.
عدن: القاطرة المستمرة ورسالة المستقبل
إن تكريم الأستاذين عزيز وقعطبي اليوم ليس احتفاءً بماضٍ مضى فحسب، بل هو تأكيد على رسالة مستمرة: أن عدن ستظل قادرة على تجديد دورها الريادي كقاطرة للنهضة في اليمن والجزيرة والخليج. فالأمم تُقاس بقياداتها، والقيادات تُقاس بقدرتها على أن تكون امتدادًا حيًا لقيم المؤسسين الأوائل، وفي ذلك تتجسد روح الاستمرارية التي تبقي للمدن هويتها وللوطن ذاكرته.
واليوم، تتجدد مسؤولية عدن في أن تكون طليعة المواجهة ضد أحلام إيران في الهيمنة على مقدرات خليج عدن وباب المندب عبر المخلب الحوثي، وأن تواصل دورها التاريخي في حماية هوية اليمن ومصالح شعبه، بل وأمن المنطقة بأسرها. ومن هنا، فإن استعادة قيم الرواد التي جسدها عزيز وقعطبي تعني أيضًا الانتصار لمسار إعادة البناء الوطني، وإقامة الدولة الفدرالية الجديدة التي تضمن العدالة والشراكة، وتحقق الاستقرار والازدهار.
ختامًا، فإن أصدق الوفاء للرواد لا يقتصر على كلمات التقدير أو لحظات التكريم، بل يتمثل في أن نصون القيم التي مثّلوها، وأن نستلهم من سيرتهم معاني النزاهة والتواضع والالتزام بخدمة الوطن. فالمستقبل لن يُبنى إلا على أساس هذه القيم التي تجعل من المسؤولية تكليفًا لا مغنمًا، ومن خدمة الناس وسامًا لا يُضاهى. واليوم، وفي ظل ما يواجهه وطننا من تحديات وجودية، تبرز الحاجة أكثر من أي وقت مضى إلى مشروع وطني جامع يستعيد للوطن مكانته، ويؤسس لشراكة فدرالية عادلة، ويحصّن الكيان الجامع من أطماع الخارج ومن مخاطر المخلب الحوثي الذي تسعى به إيران لفرض هيمنتها على باب المندب وخليج عدن. إن تكريم الأستاذين عبدالله عزيز وأحمد قعطبي هو تذكير لنا جميعًا بأن عدن ستظل، ما حيينا، قاطرة للنهضة ورافعة للأمل وبوابة لمستقبل آمن مزدهر.