الزيدية.. الفكرة التي تعيد إنتاج الامامة

لم يكن مشروع الإمامة الزيدية في اليمن مجرّد سلالة تدّعي لنفسها الحق الإلهي في الحكم، بل كان – قبل ذلك – نصا فكريا وعقائديا يمنح هذا الادعاء غطاء دينيا ومشروعية مزعومة، فالإمامة الهادوية ليست انحرافا سياسيا فحسب، بل منظومة فكرية متكاملة صاغها الكاهن يحيى بن الحسين الرسي طباطبا ومن تبعه من أئمة الزيدية الجارودية لتكريس فكرة الاحقية الالاهية في الحكم وتكريس مبدأ الولاية كحامل لهدف الوصول للسلطة.

ولهذا لا يمكن بحال من الأحوال فصل سلوك أئمة الزيدية في التاريخ – بما فيه من قهر وتمييز ونهب وقتل وتكفير وابادة – عن النصوص التي شرّعت تلك الجرائم واعتبرتها حقا دينيا في مواجهة من يخالف "الإمام العلم". فكل سلوك عنصري يستند بالضرورة إلى خلفية فكرية عنصرية، وأي تجريمٍ للسلوك البشري لا يكتمل ما لم يشمل تجريما للنصوص التي أنتجته وأعادت تغذيته جيلا بعد جيل.

إن الأفكار العنصرية لا تموت بموت أصحابها، والنصوص العقائدية إذا تُركت دون نقد وتجريم، فإنها تعود في أشكال جديدة بعد كل هزيمة للشخوص أو سقوط للدويلات. ولهذا شهد اليمن عبر تاريخه تكرار ظهور دويلات إمامية بعد كل دولة وطنية جامعة وممتدة زمانا ومكانا، كما حدث بعد قيام الثورة السبتمبرية بخمسين عاما حين عادت الإمامة بثوب جديد وأسرة سلالية جديدة.

لقد أثبتت التجربة أن الخطأ الأكبر بعد ثورة 26 سبتمبر هو عدم تجريم المذهب الزيدي الجارودي الذي كان عمود الإمامة المتوكلية، والإبقاء على نصوصه في مناهج التعليم وحياة الناس، والابقاء على خرافته دون تفنيد، ومنها على سبيل المثال كذبة الجغرافيا الزيدية.

ان بقاء النص الزيدي ومحاولات فصله عن جرائم ائمته، والتساهل معه بدعوى التعايش والتجاوز، يعني بقاء الخطر، لأن النصوص التي تؤله السلالة وتشرعن لها الوثوب على الحكم بأي وسيلة، تشكل في العمق بذرة احياء الامامة، لتستئنف دورة الاستبداد من جديد.