بين وجع الفقد ووهج القصيدة: منصور بلعيدي شاعرًا
كتب: _محفوظ كرامة_
لم نعتد من الأستاذ والزميل الكاتب الصحفي منصور بلعيدي أن يخوض غمار الشعر، فقد عرفناه قلمًا صحفيًا رصينًا، يكتب بلغة الواقع وتحليلاته الدقيقة، ويعالج قضايا المجتمع بموضوعية وعمق.
إلا أن المفاجأة جاءت مؤخرًا عندما أطلّ علينا بأشعار جزلة وعذبة، تحمل مفرداتٍ تنبض بالألم، وتفيض بالصدق، وتكشف عن تجربة إنسانية مؤلمة خلفها رحيل شريكة حياته، عمود بيته، ورفيقة دربه.
لقد ترك هذا الفقد أثرًا بالغًا في حياته، وخلق فراغًا قاسيًا ومريرًا، لكنه في الوقت ذاته فجّر طاقاته الفكرية، وأيقظ فيه مشاعر دفينة تحوّلت إلى قصائد تنبض بالحزن والحنين، وتكشف عن شاعر يسكنه الوجع، ويبحث عن ذاته بين أنقاض الذكريات.
*"آهات موجوع"...قصيدة من قلب الألم.*
في قصيدته "آهات موجوع"، تتجلى صورة الفقد بكل تفاصيلها، حيث يبدأ الشاعر رحلة استرجاع الذكريات، باحثًا عن ذاته التي تاهت وسط الألم:
> أفتش في زوايا ذكرياتي
> وأبحث في الرفوف العاليات
> لعلي أن أجد في أي رف
> من التاريخ نبذة من حياتي
> يمزقني الألم في كل حين
> وتقتلني هواجس محزناتي
وهنا تتجلى صورة الفقد، وتبدأ رحلة الشاعر في استرجاع الذكريات، باحثًا عن ذاته التي تاهت وسط الألم. ومع التعمق في أبيات القصيدة، تتضح أكثر ملامح المعاناة ويكتمل مشهد الحزن الذي يعيشه الشاعر فيقول:
> يهيم العقل في لجة همومي
> وأمشي في متاهات السُبات
> ألمّلم في أسى أشلاء قلبي
> تمزقه مصائب قاتلات
> وأندب حظي العاثر وقهري
> وأبكي كبكاء الأمهات
> حزينٌ والأسى يعصر فؤادي
> وصار الحزن وصفًا من صفاتي
> وعقلي تاه في بحر المآسي
> وحزني كالجبال الراسيات
> أعيش العمر في همٍّ وغمّ
> حياتي في الدُنى مثل الممات
*من الصحافة إلى الشعر... حين يتحول الألم إلى إبداع*
بهذه الأبيات، يرسم منصور بلعيدي لوحة شعرية صادقة، تنقل حجم الألم الذي يعيشه، وتُظهر كيف تحوّل الحزن إلى هوية، والقصيدة إلى متنفس.
إنها تجربة شعرية نابعة من رحم المعاناة، لكنها تكشف عن قدرة الإنسان على تحويل الوجع إلى كلمات خالدة، والألم إلى إبداع يلامس القلوب.
منصور بلعيدي، الذي عرفناه صحفيًا، متمكناً يثبت اليوم أنه شاعرٌ أيضًا، شاعرٌ لا يكتب من فراغ، بل من قلبٍ موجوع، وروحٍ تبحث عن الضوء وسط العتمة.
إن تجربة منصور بلعيدي الشعرية، وإن جاءت من رحم المعاناة، إلا أنها تكشف عن قدرة الإنسان على تحويل الألم إلى إبداع، والوجع إلى كلمات خالدة..فالمعاناة تصنع الابداع.


