شبكة ري دلتا أبين: من مشروع بريطاني طموح إلى واقع مهدد بالفوضى والتعديات
(أبين الآن) كتب: محفوظ كرامة
في كل لقاء يجمعني بالمهندس والناشط الزراعي فرج الشراء، تتصدر قضايا القطاع الزراعي في دلتا أبين حديثنا، خاصة ما يعانيه هذا القطاع الحيوي من تحديات متراكمة خلال العقدين الأخيرين، والتي باتت تهدد استمراريته وفعاليته.
كان آخر ما تناولناه في حديثنا "شبكة الري السيلي وقنطرتها الشهيرة وسد باتيس"، حيث أوضح لي المهندس فرج أن فكرة إنشاء هذه المنظومة تعود إلى الحكومة البريطانية في أواخر الأربعينيات. ففي أعقاب ثورة المهاتما غاندي وخروج بريطانيا من الهند الشرقية، واجهت الأخيرة أزمة في الحصول على القطن طويل التيلة الذي كانت تعتمد عليه مصانعها. ومن هنا، رأت بريطانيا في دلتا أبين أرضًا مثالية لزراعة هذا المحصول النقدي، مما استدعى إنشاء شبكة ري متكاملة تعتمد على تصريف مياه السيول بشكل منظم.
بحسب المهندس الشراء، فإن رئيس الوزراء البريطاني آنذاك هو من قدم فكرة المشروع إلى مجلس العموم البريطاني، الذي رفض في البداية تمويله بسبب تكلفته العالية. لكن إصرار رئيس الوزراء على جدوى المشروع، وتعهداته باسترداد المبلغ خلال فترة قصيرة، دفعت المجلس للموافقة عليه.
وبالفعل، نجحت بريطانيا في إنشاء منظومة ري متكاملة في دلتا أبين، تُعد من أهم المشاريع في المنطقة لتصريف مياه السيول القادمة من شرق وغرب السد، عبر الأعبار والجسور التحويلية والقنوات الفرعية والعُقم الترابية.
تكونت المنظومة من ثلاثة سدود رئيسية على امتداد الوادي سد باتيس: يروي الأراضي الواقعة شرق الوادي، مثل باتيس وعبر عثمان والسمر سد الهيجة: يخدم الأراضي غرب الوادي، من منطقة الهيجة حتى الحرور وما جاورها سد الديو: يروي الأراضي الممتدة من نهاية سد الهيجة، عبر شبكة دقيقة من السواقي والجسور الفرعية، تضمن وصول المياه إلى خوض دلتا أبين وتحافظ على المخزون المائي.
أشار المهندس الشراء إلى أن نظام الري كان صارمًا، يخضع لإشراف مباشر من مفتشين ومشرفين مسؤولين عن توزيع المياه. وكان من يخالف النظام يُغرّم ويُحرم من الري في الموسم التالي. ويروي قصة أحد السلاطين الذي خالف النظام وقام بري أرضه دون إذن، فتم تغريمه وحرمانه من الري، مما يعكس مدى الالتزام والانضباط الذي كان سائدًا آنذاك.
هذا الانضباط انعكس على الإنتاج الزراعي، حيث شهدت دلتا أبين طفرة في المحاصيل، وعلى رأسها القطن طويل التيلة. وكان الزائر للمنطقة يرى الأراضي مكسوة بالمحاصيل من زنجبار إلى جعار والحصن وباتيس، والمياه تنساب في الأعبار، والزراعة في أوج نشاطها.
ولم تكتف بريطانيا بشبكة الري، بل دعمت المشروع بإقامة مركز للأبحاث الزراعية وآخر للإرشاد الزراعي، مما عزز من كفاءة القطاع الزراعي في المنطقة.
لكن اليوم، يتحدث المهندس الشراء بحسرة عن ما آلت إليه شبكة الري، من تعديات عمرانية وبناء عشوائي على مجاري السيول وضفافهاوالأحواض المائية، كما هو الحال في موقع سوق القات، إضافة إلى إنشاء محطات وقود قرب الأراضي الزراعية، مما يشكل تهديدًا مباشرًا للمنظومة.
وفي ختام حديثه، يناشد المهندس الشراء السلطات المحلية في محافظة أبين بضرورة التدخل العاجل لوقف هذه التعديات، وتطبيق القوانين والأنظمة لحماية ما تبقى من هذا الإرث الزراعي الحيوي.


