نوفمبر المجيد… صفحات من سيرة الفدائي العميد ناصر محمد علي عبادي
يعد يوم الثلاثين من نوفمبر محطة مركزية في تاريخ الجنوب اليمني، باعتباره يوم الخلاص من الاستعمار البريطاني عام 1967م، وقد ارتبط هذا اليوم لدى أسرة الفدائي العميد ناصر محمد علي عبادي بذكرى خاصة، إذ كان يحتفي به سنويًا عبر استحضار سيرته النضالية وتجربته في العمل الفدائي قبل الاستقلال، وبعد وفاته، ظلّت هذه الذكرى شاهدة على إرثه الوطني.
النشأة وبداية التوجه العسكري
ولد المناضل ناصر محمد علي عبادي في قرية معرج بمديرية الوضيع محافظة أبين، التحق مبكرًا، في سن الثامنة عشرة، بالبوليس العدني في مدينة عدن، ضمن دفعة كبيرة من المتدربين، وبعد التخرج حلّ تاسعًا بين زملائه، ما أهله للتوزيع ضمن العشرة الأوائل في قسم شرطة التواهي، في حين وزعت بقية الدفعة على أقسام المعلا وكريتر والشيخ عثمان والبريقة وسائر مناطق عدن.
التحول نحو العمل الفدائي
شهدت فترة الستينيات نشاطًا متصاعدًا للتنظيمات الوطنية المسلحة المناهضة للاستعمار، وتحديدًا التنظيم الشعبي الذراع العسكري لجبهة التحرير، وفي تلك المرحلة جرى استقطاب ناصر عبادي إلى إحدى الخلايا السرية للتنظيم داخل مدينة عدن، حيث التحق بخلية مكونة من خمسة أفراد، تتميز بعمل مستقل لا يرتبط تنظيميًا بالخلايا الأخرى حفاظًا على السرية.
تولى تدريب الخلية خبير مصري، وأشرف على تأهيل أفرادها على استخدام السلاح والقنابل الروسية، وعلى أساليب التخفي والمناورة، وفي أول جلسة تدريبية منحه لقبًا تنظيمياً هو ”أبو بدر”—لقب سيلازمه طيلة فترة العمل الفدائي وما بعدها، وقد اطلق على أحد اولاده اسم بدر وهو حاليا طبيب صيدلي خريج كلية الصيدلة جامعة عدن.
العملية الفدائية الأولى… شارع مدرم نموذجًا لمقاومة المدن
تعد العملية الأولى التي نفذها ناصر عبادي واحدة من العمليات النوعية في قلب العاصمة عدن، وتحديدًا في شارع مدرم بالمعلا، أحد أهم الشوارع العسكرية التي كانت تشهد مرور دوريات بريطانية منتظمة.
كان من المقرر أن ينفذ العملية أحد أفراد الخلية الأكثر خبرة، لكنه اعتذر لدواع أسرية، فوقع الاختيار على الفدائي ناصر عبادي، الذي كان حينها أعزب وأصغر سنًا، وأكثر قدرة على الحركة والاختفاء بعد التنفيذ.
قامت خطة العملية على إلقاء قنبلة يدوية على حافلة عسكرية بريطانية أثناء مرورها في الشارع، يعقبها انسحاب سريع باتجاه الشارع الخلفي، حيث ستنتظره سيارة تابعة للخلية.
تنفيذ العملية
في ساعة الصفر، ومع إشارة أحد مساعدي الخلية، ألقى ناصر عبادي القنبلة باتجاه الحافلة العسكرية، فانفجرت محدثة خسائر كبيرة في صفوف الجنود، وبحسب التعليمات، اندمج وسط حركة المواطنين الهاربين دون الالتفات إلى الخلف، قبل أن يتجه عشوائيًا نحو إحدى العمارات نتيجة توتر اللحظة وحداثة التجربة.
صعد إلى أحد المنازل وعرّف بنفسه لصاحبه بأنه فدائي، فآواه الأخير وقدم له المساندة، رغم المخاطر الأمنية المحيطة، وخلال المداهمة البريطانية للمنطقة، تمكن صاحب المنزل من تضليل الجنود عبر تقديم رواية مقنعة، ما أسهم في نجاته من الاعتقال، وبعد انسحاب القوة البريطانية، غادر المنزل سرًا واحتفظ صاحب المنزل بملابسه كتذكار.
العودة إلى الخلية بعد الاعتقاد باستشهاده
في اليوم التالي، عاد الفدائي ناصر عبادي إلى مكان اجتماع الخلية، وسط دهشة زملائه الذين رجحوا أنه استشهد أو ألقي القبض عليه نتيجة قوة الانفجار والانتشار الأمني الواسع عقب العملية، وقد شكلت عودته خطوة مهمة في تعزيز الروح المعنوية داخل التنظيم.
الذكرى التي لا تغيب
ظل الفدائي العميد ناصر محمد علي عبادي يتحدث عن تلك العمليات سنويًا في يوم الاستقلال، باعتبارها جزءًا من ذاكرة النضال الوطني، ومع رحيله، بقيت تلك الروايات شاهدًا على مرحلة مفصلية كان فيها أبناء الريف والمدن يلتقون تحت راية واحدة: مقاومة الاستعمار وبناء الوطن.


