ماذا يعني لقاء البركاني والزبيدي المتزامن مع مبادرة الصين؟

أثار استقبال نائب رئيس مجلس القيادة الرئاسي، عيدروس الزبيدي، لرئيس مجلس النواب سلطان البركاني، اليوم، علامات استفهام كبرى حول دلالات هذا الحدث وتوقيته. ويكتسب اللقاء رمزية خاصة كونه جرى دون أي شعارات أو رموز وحدوية أو انفصالية، وعلى جدران بيضاء صافية، في مشهدٍ لا يخلو من رسالة سياسية مقصودة؛ مفادها أن اللقاء تم هذه المرة خارج الاصطفافات الأيديولوجية، وداخل مساحة محايدة تعيد الاعتبار لفكرة فتح صفحة جديدة عبر ممثلي الشعب، لا عبر توازنات السلاح.

وتبرز أهمية هذا المشهد عند مقارنته بالماضي القريب، حين كان المجلس الانتقالي يهاجم لجان البرلمان ويصفه بـ«المنتهي الصلاحية»، ولا يرى في تحركاته سوى أدوات حكومية تهدف إلى تقويض نفوذه. أما اليوم، فنحن أمام استقبال لرئاسة البرلمان منزوع الرمزية السياسية، بما يعكس تحوّلًا في قراءة المشهد لا يمكن فصله عن التحولات الإقليمية والدولية الجارية.

ولا يمكن عزل هذه الزيارة عن لحظة التفاهم السعودي–الإيراني برعاية صينية، والتي اعتُبر فيها السلام في اليمن جزءًا من ذلك الاتفاق. ففي الوقت الذي عبّر فيه الحوثيون عن امتعاضهم من الإشارة إلى قرارات مجلس الأمن، وعلى رأسها القرار 2216، ورفضوا الالتزام بها، أكدوا في الوقت ذاته أنهم لا يتبعون طهران. وفي المقابل، يرفض المجلس الانتقالي الامتثال لتوجيهات الرياض. هذا التمرّد المتوازي شمالًا وجنوبًا جعل الشرعية التقليدية شبه غائبة عن التأثير، وخلق مأزقًا حقيقيًا أمام مسار السلام.

ومن هذا الإدراك انطلق خطابنا الموجّه إلى جمهورية الصين في 9 ديسمبر، بعنوان: "سلام اليمن يبدأ من تفعيل البرلمان"، بعد استشعارنا أن الأطراف الإقليمية والدولية – وفي مقدمتها الصين – باتت تبحث عن مدخل بديل لا يمر عبر رئاسة منفية أو سلطات أمر واقع، بل عبر أطر دستورية قابلة لإعادة التفعيل.

وفي ضوء هذه الفرضية التي تضع البرلمان بوصفه طوق النجاة الأخير للدولة، يمكن فهم عودة المؤسسة التشريعية إلى واجهة المشهد اليوم، بعد استنفاد حوار اللجان السعودية–الإماراتية مع المجلس الانتقالي لكل أدوات الضغط، وبعد عجز الحوار العقيم في مسقط – رغم استئنافه عقب الاتفاق السعودي–الإيراني – عن إنتاج سلام مستدام. بل إن هذا المسار زاد من تعقيد المشهد، خاصة مع تقلّص نفوذ الشرعية، وهيمنة الحوثي شمالًا، والمجلس الانتقالي جنوبًا.

وهو ما يعيد الاعتبار لما طُرح في خطاب (PFIO) 9 ديسمبر، بأن "الحوار اليمني–اليمني المتكافئ لا بد أن يتم تحت مظلة الدستور، وعبر مؤسسات شرعية منتخبة، وإن تقادمت، إلا أنها لا تزال تمثل كل أطياف الشعب، وتحتفظ بحد أدنى من الحياد والشرعية."

فالبرلمان، رغم ما لحق به من إنهاك وتهميش، يظل آخر أداة دستورية قادرة على إنتاج قرارات محايدة، تُحرج الأطراف المتشددة، وتمنح الضامن الدولي شرعية فرضها. وهنا تبرز الصين بوصفها وسيطًا متوازنًا، غير متورط في تفاصيل الصراع، وقادرًا على تحويل الإرادة الشعبية الدستورية اليمنية إلى مسار ملزم، داخليًا ودوليًا.

إن استقبال الزبيدي للبركاني اليوم يعكس إدراكًا بأن المجلس الانتقالي لم يعد يتحرك داخل دائرة مناورة مريحة، خاصة بعد تصريحات الأمين العام للأمم المتحدة بشأن تحركاته، وهي تصريحات أقلقت أبوظبي أكثر مما أقلقت عدن، ما يفسّر إرسالها وفدًا موازيًا للوفد السعودي في محاولة استباقية لتبرئة نفسها من أي إدانة محتملة.

إن خروج الشرعية من دائرة التأثير، وهيمنة سلطتي الأمر الواقع شمالًا وجنوبًا، جعل مستقبل السلام أكثر تعقيدًا، لكنه في الوقت ذاته أعاد تسليط الضوء على المؤسسات الدستورية بوصفها المفتاح الأخير الممكن.

وبهذا المعنى، لا يُقرأ لقاء البركاني والزبيدي كحدثٍ منفصل، بل كإشارة أولى – وربما متأخرة – إلى أن مسار مبادرة الصين في هذه اللحظة يفرض إعادة التفكير في أدوات السلام، ويعيد المؤسسات الدستورية إلى واجهة المشهد بوصفها الخيار الأخير المتاح لإنقاذ الدولة، قبل أن يتحول السلام إلى مجرد إدارة لصراعٍ دائم.