لا تكن خنجرا يطعن به ظهر أخيك 

في كتاب القراءة للصف الثامن من التعليم الأساسي، والذي كان مقررا حتى بداية التسعينيات، وكان حينها الصف الثامن هو السنة النهائية من المرحلة درسنا جزءا من رواية للأديب الجنوبي علي عبد الرزاق باذيب.

كان واضحا أن الرواية برمتها تتناول مدة الخمسينيات، وهي المدة التي شهدت الإضرابات العمالية في عدن، وكانت إحدى الإرهاصات التي قادت فيما بعد لقيام الثورة في العام ١٩٦٣ م.
الجزء الرائع الذي درسناه وتعلمنا منه كان عن مجموعة من العمال الذي تواصلت معهم شركة النفط، أو ربما مصافي البترول (لم أعد أذكر بالضبط)، وتم استدعاؤهم لتبرم معهم عقود للعمل فيها.

في صباح يوم جاء العمال وتجمعوا حتى يحين الموعد مع إدارة الشركة.
وما هي إلا لحظات حتى لاحظوا تجمهرا آخر من العمال يقف أمام بوابة، ويسألونهم: من أنتم؟
هنا يجيب العمال الذين تم استدعاؤهم من الشركة بأنهم عمال جاؤوا ليبرموا عقودا للعمل في الشركة.
وهنا وفي حوار رائع تحدث العمال الواقفون أمام البوابة بأنهم عمال هذه الشركة، ولكنهم مضربون على العمل للمطالبة بحقوقهم.
وأوضحوا لهم بأن الشركة ترفض ذلك، وقامت كعقاب لهم باستدعاء عمال جدد لتوظيفهم. وبالتالي، تكسر الإضراب وتنهي مطالبات العمال الرئيسين بهؤلاء العمال المستجدين.
وهنا تثور الحمية والشهامة في العمال القادمين بعد سماعهم لهذا الحديث. ليرفضون رفضا قاطعا ذلك الأمر، ويعلنون انضمامهم للعمال الرئيسين في إضرابهم والمطالبة بحقوقهم.

تذكرت هذه القصة بعد أن نبأ إلى مسمعي أن السلطات في وادي حضرموت قد فتحت باب التقدم للتعاقدات التربوية مع متعاقدين جدد، إثر وقوف المتعاقدين - والتي تصل فترة عقودهم مع التربية إلى ثماني سنوات - وقفة رجولة إلى جنب إخوانهم المعلمين الثابتين في المطالبة بحقوقهم.
لقد أرادت السلطات في وادي حضرموت بذلك أن تعاقب هؤلاء المعلمون المتعاقدون بمعلمين آخرين واستبدالهم بهم.
وهناك فعلا من قدم ملفه للجهات المختصة.
وهنا أجدني أتوجه لهولاء المعلمين الذين سيتقدمون للتعاقد برسالة مفاده أقرأوا القصة السابقة وتعلموا منها مثلما تعلمنا منها، فيقينا أنتم من الأجيال التي جاءت بعد ذلك المنهج العظيم الذي يعلم القيم والمبادئ.
ثم هل ترضون لأنفسكم أن تكونوا خنجرا يطعن ظهور أخوانهم الذي طالبوا بحقوقهم من أجل العيش بكرامة لاتريدها لهم السلطات، وحتما لاتريدها لكم، فهي تريدكم مجرد جسر تمر عليه للتخلص من المطالب الحقوقية لأخوانكم.
هل ترضون أن تعملوا مع سلطات، دون أن تكون لكم كرامة.
نعم هذه الحقيقة -مع الأسف- وإذا قبلتم أن تحلوا محل إخوانكم المعلمين المتعاقدين سابقا، فاعلموا أن لا حقوق كريمة ستكون لكم. وإن جاء يوم وفكرتم في ذلك، فإن الاستغناء سيكون مصيركم.

أقول في ختام هذه السطور: فكروا جيدا أن تقدموا على هذه الخطوة، التي سيندم عليها كل من يحمل مثقال ذرة من كرامة ورجولة منكم.
وفق الله الجميع لما فيه خير الجميع...