يا لها من لحظة مؤلمة

في لحظة جاءت بي الأقدار ، فوجدتني جالسا على كرسي خشبي عتيق في إحدى مقاهي البريقة ، فاجأني النادل ببضع خميرات وكأس من الشاي الملبن دون طلب مني ، تقبلت الأمر ؛ أكلت الخميرات واحتسيت الشاي ، كنت أنظر إلى القوم فإذا ببعضهم يحمل صهريجه نحو المسجد القريب من المقهى ؛ ليأخذ شيئا من الماء الذي لم يعد يجده في منزله ، وآخرين يأتون لشراء شيء قليل جدا من الخمير الحضرمي ، نظرا لحالتهم البائسة ، وغيرهم يسعى ذاهبا أو آيبا من أمام ناظري ، وهو يدفع بنفسه دفعا ، وكأن حاله يعبر عن البؤس الذي خيم على حياة القوم ، والفقر الذي قد قضى على كل مباهج الحياة ، وقبل ذلك قد أتى على معنوياتهم فدمرها ..

عند ذلك سألت رب المقهى ، وكأني بصوت ساعة العمل التي كانت تصرخ على رأس الساعة من مصافي عدن حتى تصل إلى مسامع القوم على امتداد أحياء البريقة قد اختفى ، أليس كذلك يا أباحضرم ؟ قال : بلى يارجل ، ولكن قد مضى على اختفاء ذلك الصوت بضع سنوات ، يبدو أن غيابي الطويل عن هذه الأحياء هو ماجعلني أعتقد غير ذلك ، فيالها من لحظة خرجت منها ، وقد امتلأ البصر والبصيرة بما لايحتمل من المآسي والآلام ...