مجزرة وأشلاء متبخرة.. إسرائيل تجعل المواصي مقبرة
وكالات/أبين الآن
في قلب منطقة مواصي خان يونس جنوب غرب قطاع غزة، المشهد أقرب إلى قطعة من الجحيم، في كل زاوية تفاصيل مؤلمة تحكي قصصًا إنسانية انطفأت قبل أن تكتمل جراء المجزرة التي ارتكبها الجيش الإسرائيلي بحق النازحين الفلسطينيين.
ملابس الأطفال التي كانت تلامس أجسادهم البريئة بالأمس، أضحت متناثرةً بين الركام، بعضها محترق وبعضها عالق على أغصان الأشجار المتفحمة.
أحذية صغيرة ودمى مهترئة كانت تزين خيامهم البسيطة، الآن مدفونة تحت الرمال وكأنها تحمل آخر ذكرياتهم في المكان.
ألعاب الأطفال التي لطالما كانت مصدر البهجة لهم تحولت إلى رماد، ودراجات هوائية محترقة كانت بالأمس تدور في ساحة الخيام حيث يلهو الأطفال، أصبحت اليوم شاهدةً على الغياب المؤلم.
الجيش الإسرائيلي اقترف مجزرته فجر الثلاثاء، مخلفا "40 شهيدا وأكثر من 60 جريحا" بعد أن ألقت طائراته قنابل ثقيلة على خيام النازحين في المواصي التي تزعم إسرائيل أنها "منطقة إنسانية آمنة".
صدمة تعم المكان
المشهد في موقع المجزرة الإسرائيلية غارق في صمت تكسره أصوات فرق الإنقاذ وبكاء الأطفال الذين تفيض عيونهم الصغيرة بالخوف، غير قادرين على استيعاب ما حدث أو فهم سبب هذا الدمار المفاجئ.
وعلى أطراف الحفر العميقة التي أحدثتها القنابل، تقف النساء بوجوه مصدومة وعيونهن تتحدث قبل أن تخرج الكلمات، بعضهن ينظر بذهول إلى الدمار وكأنهن يبحثن عن قطعة من ذاكرة مفقودة أو عن أثر لأحبائهن الذين أخفتهم صواريخ إسرائيل تحت الرمال.
في كل خطوة، تجد مقتنيات مبعثرة هنا وهناك؛ حقيبة صغيرة لطفل ربما كان يحمل فيها دفترًا يحلم باستخدامه في كتابة واجباته المدرسية التي غابت مع استمرار الحرب، أو وعاء بسيط كانت أم تستعد لاستخدامه لإطعام عائلتها، كلها دفنت أو احترقت.
حتى الخيام التي كانت مأوى وحيدا لهم أصبحت كومة من الرماد، لم يتبق منها شيء سوى ذكريات بائسة لأيام صعاب.
شهداء نيام
بينما يعاين النازحون مكان المجزرة التي غيبت 40 شخصا كانوا نياما لحظة القصف، يبكي الأطفال بهلع وهم يختبئون بين أذرع أمهاتهم، والنساء يقفن على أطراف الحفر العملاقة.
الصدمة والحزن يخيمان على الأجواء في المواصي، تلك التي ادعى الجيش الإسرائيلي أنها مناطق "إنسانية آمنة"، بعد أن وجد النازحون أنفسهم وسط كابوس لا مفر منه.
"كيف يمكن لهذا المكان أن يتحول إلى مقبرة بهذا الشكل؟!"، هكذا تتساءل السيدة ريهام الشاعر، وهي تمسح دموعها بصمت، وتشير بيدها إلى بقايا خيمة كانت تحتمي بها مع أطفالها، وتقول: "خرجنا لنعيش، لكن الموت لاحقنا حتى هنا".
وعلى بعد خطوات بسيطة يقف الشاب رامي أحمد، أحد النازحين الذين شهدوا المجزرة، يروي التفاصيل بوجه شاحب وصوت متقطع: "كنا نيام داخل الخيام، ولا يعكر سكون الليل سوى أزيز الطائرات الزنانة التي اعتدنا عليها. فجأة، سمعنا انفجارات ضخمة كأنها زلزال ضرب المنطقة".
ويضيف: "خرجنا مسرعين بعد أن تطايرت الخيام، وما رأيناه كان يفوق الخيال. عشرات الخيام اختفت من المكان، وكأنها لم تكن موجودة، والجثامين متناثرة في كل مكان. والأجواء غارقة بالدخان ورائحة الحريق، وهناك حفر عميقة لا نعرف ماذا حدث تحتها".
ويشير إلى دراجة هوائية محترقة كانت تخص طفلًا صغيرًا كان يلهو بها بالأمس: "كان يلعب هنا... أين هو الآن؟!".
بحث متواصل
رغم حجم الدمار، لم يتخلَ الفلسطينيون عن الأمل، فالكثيرون تطوعوا لمساعدة فرق الدفاع المدني في البحث عن المفقودين تحت الرمال، مستخدمين أيديهم وأدوات بسيطة، للحفر وسط الرمال.
الطفل محمد، الذي نجا من المجزرة، يقف متأملًا في المكان حيث كان يلعب بالأمس مع أصدقائه. عيناه الصغيرتان تملؤهما الحيرة والخوف: "كان هناك خيمة، لعبنا حولها كثيرًا، والآن... لا شيء هنا".
نساء يتنقلن بين الحطام والدمار في محاولة يائسة لإنقاذ ما يمكن إنقاذه وسط كل هذا الدمار.
وقصف الجيش الإسرائيلي على منطقة المواصي ليس الأول؛ إذ سبق أن شن هجمات على ذات المنطقة التي تمتد لمسافة 12 كلم على طول ساحل البحر المتوسط بين مدينتي دير البلح شمالا ورفح جنوبا، ما تسبب بمجازر مروعة سقط فيها مئات القتلى والجرحى من الأطفال والنساء، رغم تصنيفه لها "منطقة أمنة" ودفعه سكان غزة للهجرة إليها قسرا.
فقد أدى قصف جوي استهدف خيام نازحين بمواصي خان يونس في 13 يوليو/ تموز الماضي، إلى مقتل 90 فلسطينيا وإصابة 300 آخرين، بينهم عشرات الأطفال والنساء.