هل هناك تعارض بين الديمقراطية والشورى؟!*
بقلم / منصور بلعيدي
للديمقراطية بُعدان: أحدهما فلسفي والآخر إجرائي.
*البعد الفلسفي للديمقراطية* يتجسد في تحقيق العدالة في اختيار الحاكم من قبل الأغلبية مع عدم تجاهل حقوق الأقلية ، ويرتكز هذا البعد على مبدأ حكم الشعب بالشعب.
*البعد الإجرائي للديمقراطية* يتعلق بتنظيم عملية اختيار الحاكم بمشاركة شعبية في تنصيبه.
ويشمل هذا البعد الآليات والإجراءات التي تضمن مشاركة المواطنين في عملية الاختيار والتصويت.
والديمقراطية في بُعديها الفلسفي والاجرائي لا تبتعد كثيراً عن مفهوم الشورى الإسلامية التي ترتكز على مشاورة أهل العقد والحل لاختيار الحاكم تماماً مثل مجلس النواب الذي يختار الحكومة.
*الشورى في عهد الصحابة*
في العهد النبوي كان الرسول هو المصدر الذي اختاره الله ولا يستطيع أحد رد قوله ومن خالفه فهو مرتد. وقد قال الله تعالى: (فلا وربك لا يؤمنون حتى يحكموك فيما شجر بينهم) ولكنه كان الرسول ص يستشير الصحابة ويأخذ بآرائهم ويقول أحياناً: (أنتم أعلم بشؤون دنياكم). وجاء الخلفاء الراشدون من بعده على نفس النهج .
أما اليوم فلا يوجد شخص معصوم ونحن غير مجبرين على اتباع اي شخص مهما كانت مكانته وحتى العلماء نحن لسنا مجبرين على اتباعهم فهم مجتهدون يخطئون ويصيبون.
*تطبيق الشورى غير ممكن اليوم.*
قام الصحابة بتجربة شوروية رائدة وفريدة وغير قابلة للتكرار لأن الذين أقاموها كانوا يعتمدون على جيل فريد مزكى بالوحي ومرضي عنهم.
والصحابة زكاهم الله ولا يسع أحد من المسلمين مخالفتهم ومن أجل ذلك رضي الناس باتباعهم.
ومن صور الديمقراطية الإسلامية هي مبايعة الناس لأبي بكر الصديق برضى تام دون أي اعتراض، اللهم إلا الذين قالوا: "لن نبايع أحداً بعد رسول الله"، ليس اعتراضاً على أبي بكر ولكن اجتهاداً.
تولى أبو بكر الصديق الحكم بفضل اختيار الناس له بعد أن بادر عمر بن الخطاب لمبائعته.
وعندما مرض أبو بكر ودنى منه الأجل رشح عمر بن الخطاب (مجرد ترشيح) وليس تعييناً.
وعندما سئل عما سيقول لربه إذا سأله عن الأمانة أجاب: "سأقول لربي إني رشحت لهم أفضلهم".
وبايع الناس عمر بن الخطاب، ولم يكن لترشيح أبي بكر لعمر أن ينفعه بدون المبايعة، وذلك بفضل الآلية الديمقراطية.
عندما طُعن عمر بن الخطاب رشح للناس ستة ممن مات الرسول وهو راضٍ عنهم وهم أول من أسلم.
تنازل ثلاثة لثلاثة وبقي ثلاثة وتنازل الثالث وهو عبد الرحمن بن عوف بشرط أن تكون له مشورة الناس واختيار أحد الرجلين (عثمان بن عفان أو علي بن أبي طالب).
وبعد تحقيق واستقصاء رجحت عنده كفة عثمان فاختاره لخلافة عمر وقبل المسلمون اختياره لمكانته عند رسول الله وكونه من العشرة المبشرين بالجنة.
*بين الشورى والديمقراطية*
الشورى قيمة مطلقة وليست آلية أما الديمقراطية فهي آلية والنظام القضائي هو آليات كذلك.
ولأن الديمقراطية آلية فهي قابلة للتطبيق في أي زمان ومكان إذا استوعب الناس معناها الحقيقي فهي مجرد وعاء مثل الفنجان يمكن أن يشرب به الإنسان لبناً أو خمراً، فالأمر في الأول والأخير يعتمد على كيفية استخدامها لا على ذاتها.
من غرائب المتشددين السلفيين أنهم يقولون إن الديمقراطية مستوردة من الكفار فلا ينبغي أن نأخذ بها نحن المسلمون لأنها كفر.
وبرروا قولهم بأن الديمقراطية تحتكم إلى الشعب ولا تحتكم إلى حاكمية الله.
وهذا تبرير ساذج من عقول ساذجة لأن أفهامهم صغيرة جداً. فهم يريدون أخذ الديمقراطية كما يراها الغرب أو تركها بالكلية، وليس الاستفادة مما فيها من فوائد وترك ما فيها من مضار لكن من الصعب على عقولهم المتغزمة أن تفهم ذلك.
وحكاية أن الديمقراطية مستوردة من الكفار فهي لذلك حرام هو من الحمق والغباء المطبق ، فنحن نستورد كل شيء تقريباً من الكفار، والعمامة التي يلبسها ذلك السلفي المفتي بتحريم الديمقراطية مستوردة من الكفار، وهاتفه مستورد من الكفار، والسيارة التي يركبها مستوردة من الكفار. أما تفكيره فهو مستورد من مجاهل الأرض وعقله مغلق حتى إشعار آخر.