مابين (صباحٍ ومساء)

نعبر في هذه الحياة بين صباحٍ ومساء، تطوى حياتنا بجميع تفاصيلها وتجاربها واتساع أفقها أو ضيقه مابين رمشة صباحٍ وغمضة مساء، وتكمن الحكاية، كل الحكاية مابين صرخة الصباح وصمت المساء! 

(صباح ومساء) رواية للكاتب النرويجي (يون فوسه) بطابعٍ أدبيٍّ مميز، وفكرة تختلط فيها معانٍ وأفكارٍ عاطفية وفلسفية فريدة، وتكمن ميزة الرواية في انتقالها المدهش بين أول لحظات ل (يوهانس) في الحياة، إلى مابعد آخر لحظاته خلال الصباح والمساء! 

ومابين الولادة والمشيب قد تُروى حكايات وتكتب روايات لكل ما مر بينهما؛ لكنك هنا أمام عملٍ أدبيٍّ وضع أصبعه تحديدًا على اللحظات الأولى والأخيرة فصنع منها رواية تختصر فلسفة حياة الإنسان بكافة تعقيداتها وبديهياتها!

تمضي في قراءة (صباح ومساء) وأنت بين التخمين والحيرة هل بطلها طيفٌ يلتقي أحياء؛ أم أنه حيٌّ يمضي بين أطيافٍ راحلة؟! وهذا ما أضفى على الرواية متعةً وعمقًا إضافيين. 

يمضي الناس في هذه الحياة وهم يحملون أسماءً وتجارب مختلفة، قد تكون معقدة وكثيفة الأحداث، وقد تكون بسيطة وعادية كحياة يوهانس، لكنهم جميعًا يبدأونها بصرخة مسبوقة بألم، وينتهون منها بصمتٍ متبوعٍ بالدموع!

كان أسلوب الرواية متميزًا وعميقًا في تصوير المشهدين الأول والأخير، مملًا أحيانًا في المنتصف، تولى الراوي العليم فيه سرد التفاصيل، ونقلته المترجمتان كما هو موضحٌ في الصفحات الأولى والأخيرة (بأمانة). 
ولن أخفي انزعاجي من بعض تكرار العبارات التي ربما تحمل روح اللغة النرويجية، ولكني كنت أتساءل: هل كان التكرار من أسلوب الكاتب فكان لزامًا على المترجم وضعه؟ أم أنه ضرورة لغوية نرويجية، وبذلك نُقل حفاظًا على روح اللغة؟ 

كان هناك شيءٌ من التكرار السردي أيضًا في الحوارات وبعض السرد مما أثقل سلاسة القراءة ومتعتها بالنسبة لي؛ لكنه في بعض المواضع كان حتميًا لتميل الزاوية قليلًا في رؤية (يوهانس) للأحداث والتي يميل معها القارئ ببطئ فتدهشه فكرة الرواية، ويصفق لمهارة الراوي!

تبدو الرواية بسيطة أثناء قراءتها، لكنها تترك أثرًا مختلفًا وعميقًا عند إتمامها، تحملُ تساؤلات عديدة عن الإنسان يتركها الراوي مفتوحة بين يدي القارئ والحياة...

أتت الرواية في 130 صفحة شغلت الولادة ربعها تقريبا، بينما شغل الموت الثلاثة الأرباع الأخرى، وربما كان ذلك مقصودًا، فالولادة انبثاق نحو الحياة بخفة، بينما يسحب الموت بساط حياة الإنسان ببطء بعد أن حمل ماحمل أثناء رحلته فيها!

رانيا عبدالله