العلم نور.. والجهل فلوس
التقيت بأحد الخريجين من الثانوية العامة، وجلست معه جلسة ترغيب لعلي أقنعه للتسجيل للدراسة الجامعية لهذا العام، فالكلية تشكو من عزوف الطلاب، ودار بيننا هذا الحديث المضحك المبكي.
مرحبًا بالطالب النجيب والذكي والعبقري، رحبت به بهذه الكلمات المحفزة، لعلي أقنعه بالتسجيل في أحد أقسام الكلية الخاوية على عروشها، فرد على تحفيزي، بقوله: أيش من نجيب وأيش من ذكي وعبقري يا أستاذ؟ أنا يا أستاذي ويا الله أني اتخارجت من الثانوية وبالدهفة، قلت له: ولكنني متأكد بأنك ستثبت جدارتك بهذه الألقاب في الدراسة الجامعية، قهقه ثم قال: بالله لا تحنب لي، دعني أعيش بكرامة، فجاري معيد في الجامعة وكلما شافني طلب مني حق المواصلات، ولا يملك ما يعينه على الحياة الكريمة.
بعد حديثه هذا هدم نصف الحماس الذي كان عندي لإقناعه، فقال لي: يا أستاذي أنا سجلت عسكري، وأتسلم شهريًا ألف سعودي، يعني 500 ألف، أي نصف مليون، وأنت تشتي تحطمني، وتعيدني لأيام البؤس والشقاء، وقال يا أستاذي ممكن أسألك سؤالًا: فقلت له: اسأل، ويا ليته ما سأل، فقال: كم راتب المعيد عندكم؟ فقلت له: مش مهم الراتب، فقال: كيف مش مهم الراتب، فجارنا معيد في الجامعة ويتسلم 90 ألف، وكل يوم يتسلف ولا يجد حق يومه ولا حق المواصلات، فكيف مش مهم الراتب؟!
المهم الطالب ولا ترك لي أي سبيل لأقناعه ليتوجه للدراسة الجامعية، وأردف قائلًا: والله يا أستاذي إنكم ودفتم توديفه لما درستم وتعبتم وخسرتم وسهرتم وتبهذلتم، وفي الأخير نحن أكلناها بالبارد، وأنتم مازلتم في بهذلتكم، وقال: تصدق إن جارنا المعيد، يتسلف مني حق المواصلات عندما يذهب إلى كليته، ليقضي اليوم كله واقفًا أمام السبورة كاللوح وفي نهاية الشهر راتبه لا يفي بمواصلاته، وأنا نائم في بيتنا أو في الخيمة وآخر الشهر ألف سعودي، ويومية لو جمعتها ستجتمع كما راتب المعيد أو أكثر، ثم قال معك خراج.
حاولت أن أنقل الحوار إلى موضوع آخر، فقلت له: هل تدري أن إيران ضربت إسرائيل بـ400 صاروخ، فقال: وأنا أيش دخلي منهم، راتبي 500 ألف واليومية كما راتبكم في الجامعة، هنا لم أتمالك نفسي، وقلت له: ولكن العلم نور، وقال: والجهل فلوس، وقال ساخرًا خلي العلم يؤكلك عيش، فضحكنا سويًا ثم قمنا، وهو يقول: تشتي مواصلات يا دكتور وإلا باتمشي مشيًا على الأقدام، مشيت وأنا أقول: أعوذ بالله من هذا الطالب اللسن، وأعوذ بالله من هذا الوضع الذي أصبحنا فيه.