ولكن من يعلق الجرس؟
كتب أبو زين ناصر الوليدي
يُقال أنه في مكان ما كانت ثمة جماعة من الفئران تعيش بسلام وأمان ردحا من الدهر ، وذات يوم داهمها قط مسعور دمر أمنها واستقرارها، وفي كل يوم كانوا يفقدون فأراً لأنه يتحرك دون أن يشعروا به، فينقضّ على فريسته على حين غفلة وبشكل فجائي، فعقدوا مؤتمراً عاماً شارك فيه الجميع ليتشاوروا حول كيفية التخلص من هذه البلية التي نزلت عليهم، فكل واحد أدلى برأيه، فازدحمت الآراء وتقاطعت الأفكار دون الخروج برأي صائب ومفيد يضمن حياتهم في قادم الأيام، حتى وقف حكيم منهم وطرح رأيا أنصت له الجميع، فشرح لهم ذلك العبقري فكرته وقال لهم : علينا أن نأتي بجرس ونعلقه على رقبة القط اللعين في وقت نومه، وعندما ينهض يجد الجرس معلقاً على رقبته، وكلما تحرك سيرنّ الجرس وننتبه لوجوده، فنختبىء منه وبعدها ييأس منا ويغادر المكان .
فرح جميع الفئران لهذه الفكرة البارعة.
ولكنهم سكتوا فجأة.
ثم سألوا:
ولكن ....
ومن يعلّق الجرس؟!
من يعلق الجرس ؟!
هذا هو السؤال المهم حيال كل الأفكار التي يطرحها الأذكياء والعباقرة والمنظرون.
من هو صاحب الخطوة الأولى نحو تنفيذ الأفكار، والذي يعمل على تحويل الفكرة إلى عمل مثمر، وكم هي الأفكار العبقرية التي ماتت حينما لم تجد من يعلق الجرس.
مشروع مياه ضخم يخدم أمة من الناس يبدأ بشخص قرر أن يعلق الجرس. ومثله مشروع طريق ومدرسة وجامعة وسكن جامعي وشبكة منظومة شمسية ومستشفى ومدارس محو الأمية، ومؤسسات لكفالة الأيتام وإطعام الفقراء وتمويل المشاريع الشخصية... إلخ
كثير من المشاريع العملاقة بدأت بشخص شجاع مغامر قرر أن يعلق الجرس ولم يتهيب أنياب القط.
جماعات وحركات وثورات غيرت واقعها كانت بدايتها من إنسان قرر أن يكتب وصيته ويعلق الجرس ويتحدى الصعاب. فعاش طويلا ومات حميدا وبقي ذكره في الخالدين.
دولة المرابطين العظمى التي نشرت الإسلام في غرب أفريقيا وحفظت الأندلس من السقوط وتولت قيادة الناس يوم (الزلاقة) وأعلت السنة وحاربت البدع ونشرت العلوم كانت نشأتها على يدي الشاب(عبد الله بن ياسين) الذي قرر أن يعلق الجرس، فترك بلده وقومه وخرج مع قبائل صنهاجة ولمتونة البربريتين حتى مصب نهر السنغال.
اخي الكريم: كن مفتاحا للخير مغلاقا للشر مبادرا مسارعا في كل عمل إيجابي تخدم به دينك وأمتك وبلدك. ولا تكلف إلا نفسك..وحرض المؤمنين بفكرتك.
وكن كمن قال :
إذا القوم قالوا من فتى خلت أنتي
عنيت فلم أكسل ولم أتبلد.
وكن مثل (عرابة الأوسي) الذي قال فيه الشاعر:
إذا ما راية رفعت لمجد
تلقاها عرابة باليمين.
ويبقى السؤال المستمر..
ولكن ....
من يعلق الجرس ؟؟؟
استعن بالله وقل: أنا
.