ناصر عبدربه الرباش.. بطل معارك غزة عام ١٩٤٨م

كتب : أبو زين ناصر الوليدي

وأنت تتابع اليوم معارك أبطال القسام في مدينة غزة وبيت حانون والفالوجا ورفح وخان يونس، والمواجهات العنيفة من جيوش الصهاينة تذكر أن شابا من دثينة كان يوما هناك يتنقل من جبهة إلى جبهة مقاتلا في سبيل الله بكل شجاعة وبسالة وإصرار، جنبا إلى جنب مع صديقه عبدربه الفطحاني.
ولكن.....
 دعنا نقص لك الخبر من أوله: 
 في قرية (جيف أهل الرباش) القرية الواقعة في الضاحية الجنوبية الغربية لمدينة مودية ولد البطل المجاهد (ناصر عبد ربه الرباش) عام ١٩٠٧م تقريبا، نشأ في كنف والده الحنون طفلا ذكيا زكيا نجيبا يرضع مع حليب أمه قصص البطولة والشجاعة والفداء والإقدام ، إذ كان والده رجلا متدينا زرع في وجدان طفله حب الله ورسوله والإسلام، وفي الكتاب ( المعلامة) تلقى دروس الدين والقراءة والكتابة ومبادئ الحساب .
وما إن وصل سن الشباب حتى انتقل إلى مدينة عدن، وكانت حينها مدينة تجارية ومنطقة حرة تتنافس فيها كبرى الشركات العالمية، ولأن الشاب نشأ على حب المغامرات، فقد شرع في بعض الأنشطة التجارية، ثم شارك بعض التجار البانيان( الهنود) وتطور حتى أسس مع شريكه شركة لنقل البضائع إلى جيبوتي وإلى جدة ودول الخليج العربي، ولما توسعت تجارته وأعماله استعان بأخيه ليشاركه في إدارة الأعمال والإشراف عليها، فقد كان هو رغم انشغاله بالتجارة يميل إلى العبادة والزهد والورع، فيقضي كثيرا من أوقاته في المساجد وحلقات الذكر والعلم حيثما رحل .
وبينما كان في إحدى رحلاته التجارية في مدينة جدة بصحبة صديقه عبد ربه الفطحاني إذ سمعا منادي الجهاد يستنفر الناس إلى الأرض المقدسة بعد أن غادرها الإنجليز وسلموها لليهود الصهاينة، وبدأ اليهود يجتاحون المدن والقرى ويرتكبون المجازر ويسعون إلى السيطرة على فلسطين، فخرج الشاب ناصر الرباش وصديقه الفطحاني مع قوات الجيش السعودي الذي يزيد تعداده على ثلاثة ألف مقاتل يقودهم القائد السعودي سعيد الكردي ويودعهم وزير الدفاع منصور بن عبد العزيز ال سعود.
وصلت القوات السعودية إلى القاهرة جوا ثم توجهت إلى العريش، وفي السويس وصلتهم السفينة السعودية المحملة بالعتاد والسلاح فالتحموا بالجيش المصري وعبروا الحدود إلى غزة، وهناك خاض الجيشان وقوات المتطوعين من مصر والسعودية معاركهم الضارية الصعبة مع القوات الصهيونية، وكان البطل الرباش من ألمع أبطال تلك الحروب، وقد انتدبه قائد القوات السعودية هو والفطحاني والقحطاني لتنفيذ عملية فدائية صعبة، فهاجموا تحت جنح الظلام مخيما صهيونيا بالأسلحة والقنابل ثم أحرقوه بالنيران وقتلوا كل من فيه وكانوا ٤٨ جندي صهيوني.
عاد أبطال دثينة من العملية سالمين لم يصب أحد منهم بأذى.
وبعد تطورات الأوضاع والمواقف الدولية قبلت الجيوش العربية الهدنة الغبية التي أنقذت اليهود.
عادت القوات السعودية إلى أرض الحرمين وعاد معهم البطل الرباش وصديقه الفطحاني، واستقر بهما المقام في جدة، فعاد الفطحاني إلى عمله وعاد الرباش إلى تجارته، وبعد مدة يسيرة منح الفطحاني الجنسية السعودية تكريما لمشاركته في الحرب، واعتذر الرباش عن الجنسية، وقرر أن يعود إلى وطنه، لأن ثقل أعماله التجارية كان في مدينة عدن .
قضى الرباش مدة يسيرة في عدن وأخذ يتخفف من الأعمال قليلا قليلا حتى أوكل إلى شقيقه وشريكه القيام على جميع أعماله، وعاد هو إلى مسقط رأسه وهو في ريعان الشباب، وفرغ نفسه للأرض والزراعة والعبادة، وفي عام ١٩٥٣م وافاه الأجل المحتوم فرحل إلى ربه شابا تقيا مجاهدا عابداً سعيداً، عن عمر يقارب (٤٦ سنة) وخلف أبناء وبنات وترك وراءه شركة ثابتة الأركان يديرها شقيقه.
وهكذا تطورت شركته بعد موته، حتى جاء الاستقلال وبعده جاء التأميم وصودرت جميع ممتلكاته.
رحم الله البطل المجاهد ناصر عبد ربه الرباش وبارك في أحفاده وإخوانه من آل الرباش.
وكان ولا يزال في آل الرباش الكثير من الصالحين والقادة والشجعان الذين تفخر بهم دثينة كما تفخر بغيرهم من الأبطال من جميع القرى .
اللهم اجمعنا بعبدك ناصر الرباش في جنتك مع النبيين والصديقين والشهداء والصالحين وحسن أولئك رفيقا.
.