دهاة العرب الأربعة: عبقرية السياسة وفن إدارة الأزمات
بقلم: _منصور بلعيدي_
في تاريخ العرب السياسي، برزت أسماء حفرت حضورها في ذاكرة الأمة بفضل تمتعها بدهاء استثنائي، جمع بين الحزم والحنكة، وبين الفطنة والقدرة على قراءة المواقف وتحويل الأزمات إلى فرص.
أربعة رجال، وصفهم المؤرخون بـ"دهاة العرب"، لم يكن دهاؤهم مجرد حيلة أو مكر، بل كان رؤية استراتيجية، وذكاءً عملياً، وعلماً بفنون الحكم والتفاوض.
*الرابع: زياد بن أبيه: دهاء الكلمة وسطوة الخطاب*
يُعد زياد بن أبيه أقلهم دهاءً مقارنة بالثلاثة الآخرين، لكنه لم يكن أقلهم تأثيراً.
فقد كان من أذكى رجالات الدولة الأموية، وتمكن من ضبط الولايات المضطربة، وعلى رأسها العراق، الذي كان آنذاك أشبه ببركان سياسي لا يهدأ.
اشتهر بخطبته البتراء، التي لم تبدأ بالحمد والثناء، لكنها كانت قادرة على إخضاع القلوب والعقول، مما يعكس قدرته الفائقة على استخدام الكلمة كسلاح سياسي حاسم.
*الثالث:المغيرة بن شعبة: سيد البديهة وصانع الفرص.*
أما المغيرة بن شعبة، فكان أكثر مرونة ودهاءً، وتميز بسرعة بديهته التي أصبحت مضرباً للأمثال، كما أشار إلى ذلك الطبري والذهبي.
كان جريئاً، ذكياً، قادراً على تحويل المواقف الحرجة إلى مكاسب سياسية.
سواء في توليه للولايات أو مشاركته في الفتوحات، كان يعرف كيف يقرأ خصمه من أول جملة، ويقلب الطاولة لصالحه في لحظة.
*الثاني: عمرو بن العاص: عبقري الحرب والسياسة*
يأتي عمرو بن العاص في مرتبة متقدمة بين الدهاة، إذ جمع بين التخطيط الحربي والسياسي بمهارة نادرة. كان فصيح اللسان، قوي الحجة، بارعاً في التفاوض، حتى قيل عنه: "أعرف الناس بالرجال"، وهي عبارة تختصر سر عبقريته. فتح مصر بخطة لا تزال تُدرّس في كتب الاستراتيجية العسكرية، مما جعله رمزاً للدهاء العملي والحنكة الميدانية.
*الاول: معاوية بن أبي سفيان: الداهية الأكبر*
وأخيراً، معاوية بن أبي سفيان على
يتربع عرش الدهاء العربي بلا منازع، بشهادة خصومه قبل أنصاره. جمع بين الحلم والدهاء، وبين الصبر وطول النفس، فأسس دولة أموية امتدت قرابة القرن. لم يكن يعتمد على القوة المباشرة، بل على سياسة امتصاص الأزمات وتحويل الأعداء إلى أصدقاء، وهي ذروة الدهاء السياسي. فقد أدرك أن الغضب يهدم ما يبنيه العقل، فاختار طريق الحكمة واللين، فكان بذلك مدرسة قائمة بذاتها في فن الحكم.
هؤلاء الأربعة لم يكونوا مجرد سياسيين، بل كانوا مهندسي واقع، صنعوا التاريخ بدهائهم، وتركوا إرثاً من الدروس في فن القيادة وإدارة الأزمات.


