{ هذه} التي سهّرتني طوال الليل!
لي زميل يعمل مصححاً لغوياً بإحدى الصحف، دائماً ما يشتكي ويسهب في وصف معاناته في تصحيح المشاركات والرسائل الواردة إلى الصحيفة قبل نشرها. كنت أعتقد أنه يبالغ كثيراً في شكاويه المستمرة هذه،
وكنت أعتقد أنني ( شاطرة) في النحو، وأنني لا أخطئ إلا في بعض التركيبات اللغوية المعقدة، وكنت أعتقد الكثير من الأشياء، إلا أنه أخبرني بأنني أيضا أخطئ في أبسط الأشياء، عندما تسقط بعض الحروف سهواً في بعض كتاباتي.
هذا رجل يتعذب فعلا، ومن المثير للأحاسيس الضمائرية أننا ( نحن) من نعذبه! هناك كميات هائلة من الأخطاء النحوية والإملائية في ما يكتب الناس. إن علم النحو في خطر حقيقي!
هناك فوضى كاملة في الهمزات. لا أحد يعرف الفرق بين همزتي الوصل والقطع. وهناك خلط رهيب بين الياء والألف المقصورة، وبين الزاي والذال، وبين الهاء والتاء المربوطة. فضلاً عن مشكلات الإعراب البسيطة التي يخطئ فيها الجميع. وهناك مشكلات خاصة بالكتابة على الكيبورد لا تظهر اثناء الكتابة باليد. مثلا، لا يجوز أن تضع مسافة بعد واو العطف، وإنما يجب أن تلصقها بالكلمة التي بعدها. وهناك تلك الأخطاء التي تحدث عند الكتابة بسرعة فينعكس ترتيب حرفين أو ينضغط الزر الخاص بحرف مجاور للحرف المطلوب، وهي مشكلة شائعة جدا حتى أن برنامج المصحح اللغوي ببرنامج الوورد يضع في حسابه احتمالات أن تكون الحروف المجاورة هي المقصودة عند التصحيح. يجب أيضا أن نقوم بتقسيم الجمل الطويلة بالفواصل والنقاط، وتقسيم الكلام إلى فقرات حتى لا يصبح الكلام مثل كتل صماء ملقاة بعضها فوق بعض. لكن مشكلات بسيطة كهذه يجب أن نعتني بها بأنفسنا عند المراجعة، ولا نتركها للمصححين اللغويين الذين يجب أن ندخر لهم القضايا النحوية الكبرى!
طلب مني زميلي أن أساعده في تصحيح بعض الرسائل الواردة، فوجدت أن هناك خطأ يمارسه بعض الكتاب بإصرار عند الكتابة. فهم يكتبون كلمة ( هذه) هكذا: ( هذة) بالتاء المربوطة بدلا من الهاء. وظللت مستمرة في تصحيح هذا الخطأ الذي يمارسه البعض بنجاح! فكان الخطأ نفسه يتكرر مرات عديدة في رسالة واحدة. خطأ أصبح يتكرر منذ هجرت الأقلام والأوراق منذ زمن. وقد استغرق مني هذا الأمر ليلة كاملة لأقوم بتصحيح كل ( هذه) وجدتها في أي شيء كُتِب. إن كلمة ( هذه) لها أهمية كبيرة في لغتنا هذه! فقد وجدتها تتكرر في كل مقال أو خبر أو قصة، حتى أنني وجدت اثنتين وعشرين منها في إحدى المقالات!
وأعتقد أنني يجب أن أنتهز هذه الفرصة لأوجه الشكر لزميلي المصحح اللغوي الذي يتعذب كثيرا أثناء مراجعته للأخطاء التي يقع فيها البعض.
أرجوكم راجعوا كشاكيل النحو الخاصة بالمدرسة الثانوية، ستجدونها في مكان ما أسفل السرير، أو على الدولاب، أو تحت الطاولة، او على السطوح في عشة الدجاج، أو في مكان بحوش المنزل. فقط ابحثوا قليلاً ولا تعذبوا المصحّحين اللغويّين!