دور الإعلام في ترسيخ القيم الوطنية: رؤية استراتيجية بين الإمكانات والمعوقات
في خضم التحولات المجتمعية والسياسية المتلاحقة، يتبوأ الإعلام الوطني ومؤسساته مكانةً محورية في صياغة الهوية الجمعية وتعزيز قيم المواطنة، وفق رؤية استراتيجية تدمج بين الرسالة التثقيفية والمسؤولية المجتمعية.
غير أن هذا الدور يواجه إشكالات بنيوية، أبرزها التمييز بين مفهومَيْ "الإعلام الوطني" المرتبط بالمصلحة العليا للدولة والشعب، و"الإعلام الحكومي" أو الحزبي أو الخاص، المنحاز ، حيث يُعتبر الأول ركيزةً للثقة العامة بفضل التزامه بالشفافية واستقلالية الرأي، فيما يُوصف الثاني غالبًا بكونه أداةً دعائية تفتقر إلى الحياد.
ركائز القيم الوطنية التي يجب تعزيزها إعلاميًّا:
1. تعزيز التماسك الاجتماعي، كضامن للتعايش بين مكونات الوطن رغم تباين الرؤى والوالتكوينات الفرعية.
2. حماية الموروث الثقافي، بوصفه جذرًا أصيلًا للهوية، ومصدرًا للإلهام في مواجهة تحديات الهويات الفرعية.
3. تفعيل الرقابة المجتمعية ،عبر دعم الصحافة الاستقصائية لمحاربة الفساد وإرساء قواعد الحوكمة.
4. ترسيخ التضامن الوطني بتنمية روح المشاركة الجماعية في الأزمات والمناسبات ذات البعد الوطني.
5. الاحتفاء بالتنوع الثقافي كرافدٍ لإثراء الهوية الوطنية دون إخضاعها لرغبات جهوية أو مذهبية.
6. التكامل المؤسسي مع القطاعات التعليمية لتعميم مضامين القيم الوطنية في المنظومة الإعلامية.
7. توظيف الابتكار التكنولوجي عبر منصات رقمية جاذبة، تُنتج محتوىً توعويًّا بلغةٍ تتوافق مع اهتمامات الأجيال الناشئة تعزز الانتماء للوطن.
التحديات الجوهرية:
1. التأثيرات المصلحية: تداخل المصالح السياسية والاقتصادية مع الخطاب الإعلامي، مما يُضعف مصداقيته ويُحوّله إلى منصة دعائية.
2. سباق الإثارة الإعلامية: انزياح بعض الوسائل نحو "الصخب الإعلامي" على حساب القيم، سعيًا للانتشار على منصات التواصل.
3. غزو العولمة الثقافية: تغلُّب المحتوى الأجنبي على المنصات الرقمية، وما يفرضه من خطر تهميش الهوية الوطنية.
4. المأزق الأخلاقي: التعارض الظاهري بين كشف الحقائق (كالفساد) وضوابط الحفاظ على الاستقرار الوطني وصورة المؤسسات.
ختاما:
لا يُختزل تعزيز القيم الوطنية في خطابٍ إعلاميٍ حماسي، بل يتطلب إرساء نموذجٍ إعلاميٍ حرٍ ومسؤول، يجمع بين التثقيف والمراقبة، ويبني رؤية وطنيةً جامعةً تقبل التعددية دون تفكيك الهوية.
تحقيق هذه الرؤية رهنٌ بضمان استقلالية الإعلام، وتعزيز التشريعات الحامية لأخلاقيات المهنة، وتبني استراتيجيات ذكية تستثمر التكنولوجيا لمواجهة الاختراق الثقافي، بما يُحقق التوازن بين الانفتاح العالمي والحفاظ على الخصوصية والهوية الوطنية.
.