خواطر سردية من وحي زيارتي للسعودية*2 _لعبة الاختفاء في المملكة

بقلم: منصور بلعيدي_

أثناء سيرك في شوارع المدن الكبرى في المملكة، لن تجد أثراً للأطفال، وكأنها تخلو منهم أو كأن أطفال السعودية محجوبون. الشوارع والأحياء خالية منهم تماماً. كذلك، طلاب المدارس لا يظهر لهم أثر في الشوارع وهم عائدون إلى بيوتهم أو ذاهبون إلى المدارس. اختفاء تام. النساء لا يتجولن في الأسواق إلا فيما ندر. ترى، مما يخافون؟

المطاعم مغلقة الأبواب ومن يريد الدخول إليها يجب أن يدلف عبر الباب. ليس هناك أي مطعم مفتوح على مصراعيه كما في اليمن. مكبرات الصوت في المساجد تُغلق بعد الإقامة مباشرة وتتم الصلاة بالصوت الداخلي.

مدن المملكة، وعلى رأسها مكة، أهم حرم الله للأمة الإسلامية، تشترك مع اليمن في انفجار المجاري من حين إلى آخر، وإن كان بنسبة بسيطة لكنه موجود. جميع المرافق الخدماتية (الشعبية) يعمل بها عمال أجانب (أغلبهم من دول شرق آسيا) في مطاعم، متاجر، أفران، محلات بيع الخضار والفواكه، وسائل النقل (التاكسي)، وعمال الحرم المكي بعشرات الآلاف، إلا محلات بيع الذهب فيغلب عليها اليمنيون. هل لا يخشى السعوديون من التغيير الديموغرافي ولو في اللغة؟

المطاعم لا تفتح في النهار إلا بعد الصلاة، وهذا ما يعتبر تضييقاً على أصحابها من وجهة نظري على الأقل.

*الأمن السعودي.. واليمنيين!*

طريقة تعامل رجال الأمن السعوديين مع اليمنيين تشوبها غلظة مبالغ فيها بخلاف كل الأجناس. فإذا افترضنا أنك نسيت إقامتك في الفندق وقبض عليك الأمن السعودي في الشارع، فإنهم يمسكون بـ (زمارة) رقبتك بطريقة مهينة ولا يسمعون منك أي كلمة، ولا يتركون لك أي فرصة للعودة إلى الفندق لإبراز الإقامة ولو برفقتهم. يتم ترحيلك إلى اليمن، حتى لو كانت أسرتك في الفندق، بلا أدنى رحمة بل بغلظة غير مبررة تذكرك بما يحصل في فلسطين. هذا ما شكاه لي أحد أبناء الحديدة.

خرجت للتسوق وأنا أحمل جواز سفري، وإذا بدورية تستوقفني: "هات هويتك يا يماني!" قلت للجندي مازحاً: "ولو كانت في الفندق، هل ستعطيني فرصة لإحضارها؟" رد علي بوجه عبوس قمطرير، وبنظرة مركزة وعينين شاخصتين كادتا أن تخترقا جسدي لشدة تصويبهما نحوي، وقال بلهجة عسكرية لا تنقصها الخشونة: "إذن، نرحلك فوراً إلى اليمن!" قدمت له جواز سفري ضاحكاً قبل أن يقدم على أي خطوة قاسية بحقي، فتفحصه قليلاً ثم نظر إلي شزراً وقال: "اذهب"، وأدار لي ظهره بحركة تعالٍ لا تخطئها العين.

*عندما غضبت أم ناصر!!*

الخدمات العامة في المملكة، وعلى رأسها الكهرباء والمياه، متوفرة بصورة مستمرة لا تغيب لحظة. قلت لأم ناصر مازحاً: "هل رأيتِ الكهرباء تنطفئ أو الماء ينقطع ولو لثوانٍ؟!" ردت بغضب: "أنت في السعودية ولست في اليمن المنكوب ببعض أبنائه. انخمد لو سمحت ولا تذكر الحزينة بمواجعها."