نومة بعد الفجر؛ هدم لخطط اليوم وإفساد لبركته
في سكون الليل العميق، وحينما تخبو الأضواء، يكون الإنسان على موعد مع ميلاد يوم جديد، حيث يتجدد الأمل، وتتفتح أبواب الإنجاز. لكنّ هذه البدايات الواعدة قد تُوأَد في مهدها بسبب عادة تُمارسها فئة غير قليلة من الناس: النوم بعد صلاة الفجر. هذه النومة ليست مجرد استراحة عابرة؛ بل هي عامل مؤثر في إفساد بركة اليوم، وتعطيل الأعمال، وتشتيت الخطط التي صيغت للنهوض بالحياة الشخصية والمهنية.
لا يمكن الحديث عن النجاح والإنجاز دون التطرق إلى عامل الوقت واستغلاله، والشرائع السماوية والفلسفات الحياتية جميعها تكرّس قيمة الاستيقاظ المبكر. ففي الحديث النبوي الشريف: "اللهم بارك لأمتي في بكورها" (رواه أبو داود والترمذي وابن ماجه). فالبكور وقت خصب للبركة، حيث تكون النفس متوقدة، والعقل صافيا، والذهن في أعلى درجات التركيز، مما يجعل الإنتاجية مضاعفة مقارنة بساعات اليوم الأخرى. أما من يتهاون في هذا الوقت، فيفوّت على نفسه كنزا من البركة، ويبدأ يومه على عتبة الكسل والتأجيل.
إن النوم بعد الفجر يؤدي إلى كسر إيقاع النشاط الذي ينبغي أن يبدأ مباشرة بعد الصلاة، مما يؤدي إلى تراكم الأعمال وتأجيلها. فالموظف الذي ينام بعد الفجر يستيقظ متأخرا، متثاقلا، فاقدا للحيوية، وقد يضطر إلى التسرع في إنجاز مهامه دون إتقان. أما الطالب، فإنه يفقد ساعات ذهبية يمكنه استثمارها في التحصيل العلمي والاستذكار بهدوء، لكنه بدلا من ذلك يختار الاستسلام للنعاس، ليجد نفسه في النهاية غارقا في دوامة من التأجيل والتسويف.
النوم بعد الفجر غالبا ما يكون نوما ثقيلا، قصير الأمد، لكنه يربك الساعة البيولوجية، فيسبب خمولا عاما يمتد لساعات طويلة. وهذا يؤدي إلى انعدام الحيوية أثناء النهار، وضعف التركيز، مما يؤثر سلبا على الأداء الذهني والجسدي. وحتى على المستوى النفسي، يشعر الشخص الذي نام بعد الفجر أنه بدأ يومه بفوضى، مما ينعكس على قراراته وانضباطه في بقية اليوم.
إن البكور ليس مجرد وقت للبركة؛ بل هو أيضاً الفترة المثالية للتخطيط السليم. ففي هذا الوقت، يكون الإنسان أقرب إلى الهدوء، وأقدر على ترتيب أفكاره، ووضع أولوياته، واتخاذ قرارات حكيمة. أما إذا استسلم للنوم، فإنه يُضيّع هذه الفرصة، ليجد نفسه لاحقا في دوامة من العشوائية والارتجال، حيث تبدأ الضغوط بالتراكم، وتضيع فرص الإنجاز واحدة تلو الأخرى.
إذا نظرنا إلى سير الناجحين في مختلف المجالات، سنجد أن الاستيقاظ المبكر كان جزءا من حياتهم. فالمفكرون، والعلماء، والقادة التاريخيون، كانوا يستغلون ساعات البكور في الإنجاز والتخطيط والتأمل. وفي المجتمعات الحديثة، نجد أن رواد الأعمال وأصحاب الشركات الكبرى يعتمدون على الاستيقاظ المبكر كعامل أساسي في النجاح، لأنهم يدركون أن البكور هو سر الإنتاجية.
إن النوم بعد الفجر عادة قد تبدو مريحة في ظاهرها، لكنها في الحقيقة تُلقي بصاحبها في مستنقع التأجيل، وتحرمه من كنز البركة والطاقة والنشاط. فإذا أراد الإنسان أن يكون ناجحا في يومه، فعليه أن يُدرك قيمة البكور، وأن يجعل منه نقطة انطلاق لا بداية للكسل والخمول. فالعبرة ليست بعدد الساعات التي ينامها الإنسان؛ بل بكيفية استثماره لساعات يقظته، وما أدراك ما ساعات البكور!
فبارك الله بكوركم!
ودمتم سالمين!