لماذا يبكي رمضان؟

في كل عام، يأتي رمضان حاملاً معه بركة الشهر الفضيل، لكن في الوقت ذاته، نجد أن كثيراً من الناس يتصرفون بطريقة تجعل هذا الشهر يشهد حالة من التفريط والتقصير التي تثير الحزن والأسى. فإذا كان رمضان هو شهر الصيام والقيام، فهل تحققنا من أداء واجبنا فيه كما ينبغي؟ هل استغللنا هذا الشهر في التقرب إلى الله وفي الإحسان إلى الآخرين، أم أننا غفلنا عن جوهره وتهاونا في أداء حقوقه؟

من أبرز المظاهر المؤلمة التي يشهدها رمضان في أيامنا هذه هي تراجع الصلاة والقيام، والتي تعتبر من أبرز شعائر هذا الشهر الكريم. ففي حين كان السلف الصالح يترقبون رمضان بشوقٍ بالغ لزيادة عباداتهم، نجد في أيامنا الحالية أن الكثير من المسلمين يتهاونون في أداء الصلاة، بل وفي بعض الأحيان يتجاهلونها تماماً. ومن المفارقات التي تثير الأسى أن رمضان يُعتبر شهر التوبة والتقوى، لكنه يصبح في نظر البعض مجرد موسم للطعام والشراب، وغفلة عن العبادة.

أما بالنسبة لصلاة التراويح، فإننا نلاحظ تراجعاً كبيراً في اهتمام الكثير من الناس بأدائها في المساجد. من المؤسف أن نجد المساجد في بعض الأماكن فارغة إلا من قلة قليلة، بينما يظل الكثيرون في بيوتهم في حالة من الكسل أو الانشغال بتوافه الأمور، متجاهلين فرصة ثمينة لزيادة حسناتهم والتقرب إلى الله.

مما يزيد من حزن رمضان هو أن الكثير من الناس لا يستثمرون لياليه المباركة في العبادة والذكر، بل يختارون النوم لساعات طويلة، تاركين فرصة عظيمة تتنزل فيها رحمة الله وغفرانه. بينما ينام الكثيرون في الليل، تبقى أبواب الجنة مشرعة للذين يستيقظون في الثلث الأخير من الليل ليتضرعوا إلى الله، يسألون المغفرة والرحمة. إذا كان قيام الليل قد أثنى عليه القرآن الكريم في قوله تعالى: "تتجافى جنوبهم عن المضاجع يدعون ربهم خوفاً وطمعاً"، فكيف لنا أن نغفل عن هذه السنة العظيمة ونحن في شهرٍ فضيلٍ يحمل في طياته أجرًا عظيمًا؟

وربما من أبرز أوجه التفريط التي تستحق التأمل هو إهمال تفقد الفقراء والمحتاجين خلال هذا الشهر الكريم. ففي الوقت الذي يُفترض فيه أن يكون رمضان فرصة للتراحم والتعاون، نرى أن العديد من الأغنياء والمقتدرين يغفلون عن أداء زكاة الفطر أو تقديم الصدقات لمن هم في حاجة. بل قد يقتصر اهتمام البعض على إطعام أنفسهم وأسرهم، مع تجاهل من حولهم من المستضعفين.

إن تفقد أحوال الفقراء والمحتاجين، سواء من خلال الزكاة أو الصدقات أو حتى الكلمات الطيبة، هو جزء من جوهر رمضان، الذي يُظهر لنا كيف يمكن أن تلتقي القلوب حول معاني الإحسان والمساعدة. فكما قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "من لا يُؤثِر الناس لا يُؤثَر"، أي أنه من لا يرحم الآخرين ولا يساعدهم لا يحظى بفضل الله.
ختاماً: إن رمضان هو مدرسة للتربية الروحية والإنسانية، فكل يوم من أيامه هو فرصة جديدة للانتباه إلى ما فاتنا، والتوبة عن تقصيرنا. إن رمضان لا يبكي إلا على أولئك الذين غفلوا عن واجباتهم الدينية، ولم يتخذوا من هذا الشهر سبيلاً للتغيير والتقوى. إن من واجبنا أن نستثمر كل لحظة في العبادة، وأن نتذكر الفقراء والمحتاجين، وأن لا نغفل عن صلاة القيام ولا عن صيام الجوارح عن المعاصي.

فلنعمل جميعًا على جعل هذا الشهر شهرًا للتغيير الحقيقي، ونعيش فيه جوهر العبادة، لعلنا نلقى الله ونحن من أهل الجنة.