صوت المعاناة: بين التسليم والتحدي في زمن المحن
بقلم: د. مرسي احمد عبدالله
تمُرّ المجتمعات في لحظات الأزمات باختيارين حاسمين أمام معاناتها: تسليم أم تحدٍ، صمت أم تعبير؟ خلال السنوات الماضية، رسم التدهور الخدمي والمعيشي في الجنوب لوحة إنسانية قاسية، كان بطلوها نساءً ورجالاً، كباراً وصغاراً، لم تفرق الأزمة بينهم.
كثيرون، خاصة كبار السن، وجدوا أنفسهم في مواجهة عجز مؤسساتي كامل. انقطاع الكهرباء القاتل تحوّل من إزعاج إلى خطر يومي يهدد الحياة. شدة الحر، مريض ينتظر دواءً لا يقدر عليه، حتى بات الموت بسبب "ماس كهربائي" أو "ارتفاع ضغط" هو النهاية المأساوية لغياب الدولة. إن هذا التسليم ليس ضعفاً بالضرورة، بل هو رد فعل طبيعي على واقع أُنهكت فيه كل وسائل المقاومة المادية، ليصبح الصبر هو الملاذ الأخير أمام الضعف الإنساني في أقسى حالاته.
صورة التعبير:
لكن، من بين نفس الرماد، برزت أصوات أخرى. أشخاص رفضوا أن تكون معاناتهم مجرد رقم في إحصائية صامتة. استخدموا ما هو متاح: كلمة يُلقيها شيخ في مجلس، أو منشور يكتبه شاب على وسائل التواصل، أو شكوى ترفعها امرأة، أو تقرير يعدّه أكاديمي لتوثيق الكارثة الإنسانية. هؤلاء لم يملكوا سوى إرادتهم وكلماتهم، فحولوها إلى أدوات مساءلة. لقد فهموا أن "الصمت شريك الظلم"، وأن ترديد المعاناة وإيصال صوتها – ولو بدا بسيطاً – هو مقاومة حقيقية تكسر جدار اللامبالاة وتحفظ للتاريخ شهادة حية.
الكرامة والمسؤولية:
التسليم، رغم مشروعيته في حالات اليأس، يُغذي ثقافة القبول بالواقع المتردي. أما التعبير، مهما كان محدوداً، فهو يزرع بذرة المسؤولية ويخلق "ذاكرة جمعية" للمطالبة بالحقوق. إنه يذكر الجميع – الحاكم والمحكوم – أن هناك خطاً أحمر اسمه الكرامة الإنسانية، وأن انهيار الخدمات ليس قدراً محتوماً، بل هو إخفاق سياسي وإداري.
نحو فجر جديد: الإرادة تصنع المستحيل
في ختام هذه المرحلة الحافلة بالتحديات، وبعد أن أثبتت إرادة الشعوب أنها القوة التي لا تُقهر، نتطلع إلى المستقبل بقلوب ملؤها اليقين والأمل. إن ما تحقق اليوم ليس نهاية المطاف، بل هو بزوغ فجر جديد يتطلب منا جميعاً أن نتحول من مرحلة التحرير إلى مرحلة البناء والإعمار.
فلتكن بصمتنا في التاريخ هي بصمة النجاح والإنجاز، ولتتحول المعاناة الماضية إلى دافع لا يهدأ لبناء غدٍ مشرق يضمن الحرية، والعدالة، والمساواة لكل فرد.


