من للأسر الفقيرة المتعففة بعد الله .. غير - الجار ؟

تتوالى النداءات وتتعالى الأصوت عبر وسائل التواصل الاجتماعي ، وعبر خطب الجمعة - التي تدعو ، وتحث المجتمع إلى أن هناك الكثير من الأسر المتعففة التي لا يعلم عن معاناتها وعن فقرها  وحاجتها إلا الله سبحانه  تعالى .

 و قبل التطرق إلى حال هذه الأسر المتعففة - يجب الأشادة بدور أولئك الخيرين من النشطاء و الخطباء والمهتمين الذين حملوا على عاتقهم إبراز قضية هذه الأسر - المنسية - بكل أسف - وإعطائها حقها من الإهتمام من حيث توجيه الأنظار ولفت الإنتباه إليها - سواء من خلال بث مقاطع فيديو لحث المجتمع إلى الإلتفات لهذه الأسر ، أو من خلال خطب الجمعة - وكادوا يجعلوا منها قضية رأي عام -  فدورهم التوعوي دور كبير جدا يستحقوا عليه كل الشكر والتقدير والإحترام ، و الدال على الخير كفاعله .

أما حال هذه الأسر فلا يحتاج إلى مزيد من البسط والإيضاح .. فيكفي أن تنظر إلى الوضع العام المتردي من غلاء المعيشة وارتفاع للأسعار و إنهيار للعملة - وكيف ألقى هذا الوضع المعيشي الصعب بظلاله على حياة الناس حتى أصبح الجميع يشكي ، ويأن ، و "يون" - إن جاز التعبير - من جور هذا العبئ الذي بات يثقل كاهل الأسرة ورب الأسرة - فيكفي أن تلقي نظرة على هذه المعاناة التي اجتاحت الجميع لتتضح لك الصورة و حجم الكارثة المعيشية التي إلمت بتلك الأسر .

 تلك الأسر الأشد فقرا كالتي  فقدت عائلها الوحيد ، أو التي عائلها طريح الفراش ، أو الأرامل .. أو الأيتام .. أو الأسر الكبيرة جدا ذات الدخل المحدود - هذه الأسر التي ينبغي أن تحضى بحق الأولوية من حيث الأهتمام والرعاية في جانب الصدقات والزكوات ، أو إطعام الطعام ، أو كسوة العيد ، أو لحم العيد من قبل المجتمع .

فكثير من هذه الأسر ربما تتضور جوعا هي وأطفالها منكفئة على نفسها داخل بيوتها - لايعلم بحالها إلا الله سبحانه وتعالى - بسبب أن المجتمع يجهل حالها ومعاناتها .. أو لسبب أنها لاتجد من يتفقد أمرها أو يمنعها الحياء أن تسأل الناس إلحافا .

 ومن هناء تبرز مسؤلية الجار - فالجار هو حجر الزاوية في مثل هذه الحالات ، وهو ربما من تقع على عاتقه المسؤولية الأكبر .. فالجار أكثر من غيره معرفة بحال جيرانه ، وبالتالي ينبغي عليه أن يتلمس حال تلك الأسر التي تقع في محيطه السكني - بشتى الوسائل ، والطرق - مع مراعاة حفظ المشاعر ، وتجنب هدر الكرامة -وينقل معاناتهم إلى من لديه القدرة لمساعدتهم ، أو إلى الجهات التي تمنح المساعدات .. وإن كان يستطيع هو أن يمدهم ببعض الطعام والشراب فلا يتردد سيما في شهر الرحمة والمغفرة والعتق من النيران، فليس من المروءة ، ولا من الإسلام في شئ أن يفترش المسلم مع عائلته مائدة الإفطار فيها مالذ وطاب بينما هناك من جيرانه ممن يفطر على التمر والماء - هذا إن وجد - فالبعض ربما حتى التمر لا يمتلكه - كيف يكون ذلك . 

والتوجيهات القرآنية ، والتعاليم الإسلامية تؤكد على مهام الجار تجاه جاره ومنها قوله تعالى : {وَاعْبُدُوا اللَّهَ وَلَا تُشْرِكُوا بِهِ شَيْئًا وَبِالْوَالِدَيْنِ إِحْسَانًا وَبِذِي الْقُرْبَى وَالْيَتَامَى وَالْمَسَاكِينِ وَالْجَارِ ذِي الْقُرْبَى وَالْجَارِ الْجُنُبِ وَالصَّاحِبِ بِالْجَنْبِ وَابْنِ السَّبِيلِ وَمَا مَلَكَتْ أَيْمَانُكُمْ إِنَّ اللَّهَ لَا يُحِبُّ مَنْ كَانَ مُخْتَالًا فَخُورًا } النساء (36)، وفي الحديث : عن أبي ذر قال قال رسول الله صلى الله عليه وسلم يا أبا ذر إذا طبخت مرقة فأكثر ماءها وتعاهد جيرانك ( رواه مسلم ) والآيات والأحاديث كثيرة التي توصي الجار بالإحسان إلى جيرانه سيما من هم في أمس الحاجة للمساعدة وللرعاية .. وقد كان الناس منذ أزمنة قريبة جدا ، وعلى رغم تدني مستوى وعيهم بتعاليم الدين - إلا أن روح التراحم والتكافل كانت سمة بارزة بينهم ، وتزداد أكثر هذه الروح الجميلة في شهر رمضان المبارك - فقد كانوا حريصون على تبادل أطعمة الإفطار فيما بينهم ، ويخصون الأسر ذات الحاجة ببعض الأطعمة - مهما كانت منازل تلك الأسر تبعد عن منازلهم . 

فلو يدرك الجار المهام المنوطة به التي تحث عليها تعاليم ديننا الحنيف - نحو جيرانه بما فيهم أولئك المعوزين والفقراء والمحتاجين - لما تلذذ جار بسفرة طعام وجاره جائع .. ولجعل كل جار الآيات التالية نصب عينيه : { أَوْ إِطْعَامٌ فِي يَوْمٍ ذِي مَسْغَبَةٍ (14) يَتِيمًا ذَا مَقْرَبَةٍ (15) أَوْ مِسْكِينًا ذَا مَتْرَبَةٍ (16) البلد، وقوله سبحانه ﴿ وَيُطْعِمُونَ ٱلطَّعَامَ عَلَىٰ حُبِّهِۦ مِسْكِينًا وَيَتِيمًا وَأَسِيرًا ﴾ (8)  ﴿ إِنَّمَا نُطْعِمُكُمْ لِوَجْهِ ٱللَّهِ لَا نُرِيدُ مِنكُمْ جَزَآءً وَلَا شُكُورًا ﴾ (9)  الإنسان، وفي الحديث : (عن ابن عمر رضي الله عنهما قال قال رسول الله صلى الله عليه وسلم ما زال جبريل يوصيني بالجار حتى ظننت أنه سيورثه. ) البخارى . 

و قديما قالوا " الجار ولو جار" .