حين تهيمن التفاهة على المشهد الرقمي: صرخة للبحث عن عمق المعنى والأصالة
مواقع التواصل الاجتماعي، تلك الساحة الشاسعة التي باتت تعكس وجه العالم المعاصر، تحمل في طياتها تناقضات عميقة. تخيل نفسك تمشي في سوق مزدحم، الأصوات تتعالى والناس ينادون بما لديهم، البعض يبيع الجواهر والكتب القيمة، والبعض الآخر يكتفي بألعاب سريعة تثير الضحك ثم تُنسى. مواقع التواصل أصبحت أشبه بهذا السوق، ولكن يبدو أن من يبيع السطحي والتافه يجذب الأنظار أكثر ممن يحمل أفكارًا وأحلامًا تستحق الوقوف عندها.
في هذا العالم الرقمي، تتراقص المشاهد السريعة والمحتويات الهزلية أمام أعيننا، تحمل معها وعودًا خادعة بالترفيه والهروب من الواقع. بينما المفكر، صاحب الكلمة العميقة والفكرة الهادئة، يجد نفسه في زوايا الظل، وكأن صخب السوق لا يترك مجالًا للتأمل. هل هو ذنب التكنولوجيا التي تبحث عن التفاعل فقط؟ أم هو انعكاس لرغبتنا كبشر في البحث عن البساطة والهروب من تعقيدات الواقع؟
ولكن ماذا عن الأجيال القادمة؟ في هذا العالم الذي تهيمن فيه التفاهة، ما هي القيم التي سنتركها لهم؟ هل سيتعلمون أن النجاح يقاس بعدد الإعجابات والمشاهدات؟ أم سنكون قادرين على تعليمهم أن القيمة الحقيقية تكمن في عمق الفكرة ونبل الرسالة؟
التأثير هنا ليس فقط في الأخلاق، ولكنه يمتد إلى الروح الإنسانية. الروح التي تبحث عن معنى، عن جمال يخترق السطح إلى جوهر الحياة. وإذا استمرت هذه الهيمنة للمحتوى الفارغ، قد نجد أنفسنا نفقد تلك اللحظات التي تغذي أرواحنا وتجعلنا بشرًا بمعنى الكلمة.
ربما تكون الإجابة بسيطة لكنها ليست سهلة: العودة إلى الأصالة. أن نزرع في نفوسنا ونفوس الأجيال القادمة حب البحث، حب التأمل، وحب التفاعل مع ما يثري أرواحنا وعقولنا. مواقع التواصل ليست عدوًا، لكنها مرآة. وما نختار أن نراه في هذه المرآة سيحدد شكل مستقبلنا.