الصمود الأسطوري للبن اليافعي في مواجهة التغيرات المناخية والآفات الحشرية

"القهوة كالحب، قليل منها لا يروي وكثير منها لا يشبع" — محمود درويش

البن اليافعي.. إرث حضاري وتاريخي

لطالما اشتهرت اليمن، وخاصة يافع، بزراعة البن منذ القدم، حيث يُعدّ هذا المحصول إرثاً حضارياً متوارثاً عبر الأجيال. لم يكن مجرد محصول زراعي، بل أصبح جزءاً لا يتجزأ من حياة المزارع اليومية ومصدراً مهماً للدخل. اكتسب البن اليافعي شهرة واسعة نظراً لمزاياه الفريدة، سواء من حيث الطعم والنكهة أو اللون وحجم الحبوب، فضلاً عن نقائه وجودته العالية.

البن اليافعي.. منتج عضوي بامتياز

يتميز البن اليافعي بأنه صديق للبيئة، حيث يُزرع بطرق طبيعية دون استخدام المبيدات الحشرية أو الأسمدة الكيميائية. اعتمد المزارع اليافعي، منذ القدم، على المواد العضوية الطبيعية، مثل مخلفات الحيوانات والمخلفات النباتية، التي يتم تخميرها لإنتاج سماد طبيعي (الكمبوست) يغذي التربة ويمنح النباتات مناعة ضد الأمراض والآفات. هذا الأسلوب الزراعي لا يحافظ فقط على خصوبة التربة، بل يساعد أيضاً في تقليل فترات الري والحد من استنزاف الموارد المائية.

الطرق الطبيعية لمكافحة الآفات

ما يميز البن اليافعي أيضاً هو اتباع أساليب تقليدية وآمنة لمكافحة الآفات، بعيداً عن المواد الكيميائية الضارة. يستخدم المزارعون بعض النباتات الطبيعية مثل "الإثب" و"المريمرة" (النيم) لمحاربة الأمراض، كما يعتمدون على أسلوب فريد لمكافحة حشرة "خارز البن"، وذلك بحرق أوراق النباتات الميتة لإطلاق دخان يعمل على طرد الحشرات. هذه الطرق البيئية تضمن إنتاج بن نقي وآمن، مزروع في تربة غنية بالمواد العضوية، تغذيها مياه السيول، مما يعزز جودة البن ويحافظ على خواصه الطبيعية.

البن اليافعي.. وصوله إلى العالمية

في الثمانينيات، شهد البن اليافعي عصره الذهبي، حيث وصلت شهرته إلى الأسواق العالمية، واعتُبر من أجود أنواع البن على مستوى العالم. يتميز المزارع اليافعي بحرصه الشديد على عملية الفرز والتدريج، مما يضمن تصدير منتج عالي الجودة. واليوم، مع ازدياد الوعي بأهمية القهوة العضوية، أصبح البن اليافعي خياراً مثالياً لعشاق القهوة الباحثين عن نكهة غنية وطبيعية، تمنحهم انتعاشاً حقيقياً وتعديلاً للمزاج دون أي أضرار صحية.

شجرة البن.. ملكة النباتات

إذا كان هناك نبات يستحق أن يُلقب بملكة الجمال، فهي شجرة البن. بأغصانها المتدلية المثقلة بحبوب الكرز الحمراء، تبدو وكأنها حبات العقيق تتلألأ تحت أشعة الشمس. إنها شجرة متألقة في كل مراحل نموها، تعكس أناقة ورشاقة نادرة. رغم أنها تُعدّ "يتيمة" في عالم الزراعة، حيث لم تحظَ بالاهتمام الكافي من قبل الباحثين والمؤسسات العلمية، إلا أن المزارعين الأوفياء تبنوها برعاية خاصة، مدركين قيمتها العظيمة.

رسالة تقدير لمزارعي البن

يبقى البن اليافعي شاهداً على صمود الإنسان اليافعي في وجه التغيرات المناخية والظروف القاسية، فهو لم يكن مجرد محصول، بل قصة كفاح وإصرار. لذا، تحية إجلال لكل مزارع يافعي حافظ على هذا الإرث العريق، واستمر في زراعة شجرة البن رغم كل التحديات.

م/ عبدالقادر خضر السميطي
عضو الجمعية الوطنية للبحث العلمي والتنمية المستدامة – محافظة أبين